وشاور قومه في الجليل والقليل، وأعطى كلا منهم نصيبه في التحية والإكرام، وأظهر تقدير كل عامل، وأعلن شكران كل فاضل، وما من مكرمة جرت على يد صحابي إلا فرح لها الرسول، كأنها جرت على يديه، وهكذا يكون القائد الرحيب الأفق المتفتح القلب النقي الضمير الطاهر الشعور. . .
وها هو ذا يمجد أصحابه عامة فيقول:(الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضاً من بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه). ويقول أيضاً:(أصحاب كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم).
ثم ها هو ذا يمجد أصحابه فرادى، فيصف كل واحد منهم بوصف له جماله وبهاؤه، فأبو بكر هو الصديق، وعمر هو الفاروق، وعثمان ذو النورين، وعلي مدينة العلم، وأبن الزبير حمامة المسجد، وسعد بن أبي وقاص مجاب الدعوات، وطلحة بن عبيد الله الشهيد الذي يمشي على الأرض، وأبو عبيدة عامر بن الجراح أمين هذه الأمة، وخالد بن الوليد سيف الله المسلول، وحنظلة غسيل الملائكة، وجعفر بن أبي طالب هو الطيار في الجنة ذو الجناحين؛ إلى غير ذلك من جميل الصفات ورائع النعوت.
نستفيد من هذا أن الأمة يجب أن تهتدي بهدى قائدها وراعيها، حتى تتجلى مواهبه في أفرادها ونواحيها، فيصبح كل إنسان عظيما في ناحية أو عدة نواح، فتكثر الأيدي القوية العاملة؛ وأن القائد يجب ألا يكون أنانياً يستحوذ على الفضل والخير كله، بل يقدر العاملين، ويهيئ فرص النبوغ للنابغين، حتى تتبارى الكفايات وتظهر العبقريات (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)!
وليس بعد أمة محمد أمة، لأنها خير أمة أخرجت للناس، وليس مثل محمد قائد أو زعيم، لأنه رحمة الله للعاملين، فلم يبق إلا المسير، فمتى يكون؟. . .