ويخيل إلى هذا الوصف لشخصية البر فسور كينز البريطاني وصف واقعي مطبق للعقلية الأمريكية في نشاطها الاقتصادي والسياسي وكذلك. فلا غرابة أن تتصل أسباب التلمذة العقلية والتعاون العلمي بين رئيس الجمهورية الولايات المتحدة فراكلين روزفلت وبين هذا العالم (الاقتصادي البريطاني).
شغل كينز في أعقاب الحرب العالمية الأولى بمعالجة المشاكل الاقتصادية الناتجة عن هزيمة ألمانيا القيصرية، وطال تفكيره وتدريسه لفنون الاقتصادي النظري والتطبيقي، وخرج بنتيجة مستحدثة فحواها أن شر المساوئ الاقتصادية هو في خط النظام النقي المعمول به في العالم المتمدن؛ أو على الأقل في الدول التجارية والصناعية الكبرى صاحبة القول الفصل في تسيار الاقتصاد العالمي.
كان ذلك في أعقاب الحرب العالمية الأخيرة وبريطانيا موطن كينز تعاني أزمة بطالة وضائقة اقتصادية لعينة. ووجد كينز أن تقيد النقد المتبادل، أي الجنيه الإسترليني في بريطانيا وأنواع العملة الأخرى في بقية أقطار العالم - تقيد النقد بأسعار الذهب شيء يخنق التجارة الدولية ويزيد من ضائقة العالم الاقتصادي.
لم يقل كينز بالقضاء على معدن الذهب كأساس للنقد الرصين، بل انه دعا إلى تحرير النقد من استعباد معدن الذهب وجعل الذهب ملكا دستوريا للعملة الصعبة - كملك بريطانيا سلطته صورية اكثر منها فعلية.
وقال (كينز) إن الذهب معدن واحد من المعدن الثمينة وصنف واحد من أصناف الإنتاج الثمين؛ فهنالك مواد اثمن منه في خدمة الناس والتجارة الدولية، وإن من الجنون أن نربط أسعار كل شيء بسعر معدن الذهب - وهو معدن إنتاجه محدود والحصول عيه صعب شاق، وإن من غير الأنصاف أن نقيد النشاط الاقتصادي لشعب ماله إمكانيات واسعة في كثير من المواد الصالحة والإنتاج النافع لمجرد أن هذا الشعب لا يملك حصة وافية من معدن الذهب، فهذا التقيد مسؤول عن انتشار البطالة وانقطاع رزق الناس وتفشي الفوضى الاقتصادية بين الشعوب التي لا يتوفر لها معدن لذهب؛ بينما يتوفر لها إنتاج اقتصادي قيمته الفعلية تعادل قيمة الذهب إن لم تفقه.