حيرة من أمره ويطغي على وقته؟ وماذا وراء أن يتلقن الصبي في مكتبه ما يتلقاه طالب الزراعة المتوسطة سواء بسواء؟ وهكذا نرى المنهاج في كل فروع الدراسة طويلاً ومعقداً ومملاً، حتى منهاج الزراعة نفسها؛ وقد لا يرتبط في كثير من الأحايين بالناحية العملية، وهو إن مت إليها بسبب فلكي يرى التلميذ التجربة مرة واحدة ثم لا يعود؛ في حين أن ما نبتغي هو أن يشهد التجربة ويعملها بيده مرة ومرة ثم لا يبتعد عنها، وأن يعرف أشياء كثيرة عن منتجات الألبان وتربية الماشية ودودة القز والنحل ثم الصناعات الزراعية مما يجهله الزارع أو يهمله أو لا يعترف بفائدته الحيوية والمادية
ثم كيف يأخذ المدرس على عاتقه تدريس مادة لهؤلاء التلاميذ الصغار إن لم يكن بين أيديهم مراجع يرجعون إليها إن أعوزهم الأمر أو خانهم الذاكرة؟ لا ريب أن التلميذ لا يستطيع أن يحفظ ما يلقى عليه وهو كثر؛ والمدرس لا يستطيع أن يرهق التلاميذ بالشراء أو الطبع وهو يعلم أنهم فقراء يجدون مس العوز، وأن المكتب يقوم على تربيتهم مجاناً، بل ويحبوهم بالمأكل والملبس. لابد أن يجد أسهل سبيل يبلغ به غايته، وهو الإملاء
وهنا. . . هنا فقط شغلت الإملاء - دون الشرح - كل وقت الصبي، وانمحى كل مبدأ أو مذهب يرتكن إليه التدريس الفني؛ وإذن ذهب التلميذ يكد ذهنه ليحفظ تجارب وعمليات وأسماء وموضوعات سطرت على القرطاس وعمى بصره عن أن يراها في الحقل. وانتهت الحياة به إلى ما ينتهي إليه كل طالب حين يخرج من مدرسته، لا يتعلم إلا أنه فوق مستوى الفلاح فهو يأبى أن ينزل إليه وهو لا يعرف أن يسمو عنه.