لا يحمل مئونة الاختبار ولا نصب الاستذكار والمطالعة ولا يصبر على قسوة العمل، فهو منقول إلى السنة التالية بدون شرط ولا قيد، وتنقضي السنوات الثلاث فإذا الصبي المتخرج في المكتب جاهل يرتدغ في جهله
وتساهل القانون مرة أخرى وأغضى، فصرح للتلاميذ أن يحضروا دروسهم في أسمال بالية، حفاة عراة الرءوس، تأكلهم الوساخة و. . . على حين أن الصوت قد بح من طول ما نادى بوجوب تنظيف الفلاح وترتيب حياته على نسق، أما هنا فأصبح الإهمال والقذارة قانوناً. . . وانطوت السنون فإذا المكتب كله ينظم على أحد عشر بينهم الناظر وليس بينهم أي مدرس، فمدرسو المكتب هم بعض مدرسي مدرسة الزراعة المتوسطة
ومن غريب ما يروى أن ناظر هذا المكتب كان يقضي يومه لا عمل له إلا أن يكتب الرسائل إلى الوزارة ويستقبل الرسائل منها. ولِمَ؟ لأن الصبية يقضون يومهم في الحقل أو في مدرسة الزراعة المتوسطة، فهناك يشهدون التجارب العملية ويعملون بأيديهم، وهنا يتلقون دروسهم على أساتذتهم
عجيب أن نخطئ فنقول إن التلميذ في هذه السن الصغيرة يستطيع أن يدرك التجارب الزراعية الحديثة، أو أن يطبقها ويقارنها بينها وبين القديمة ليعرف الغث من السمين، وعجيب أن نخطئ - مرة أخرى - فنقول أننا نستطيع أن نهيئ هذا الصبي في ثلاث سنوات ليكون زارعاً من الطراز الأول! وإذن يتراءى لنا - لأول وهلة - قصر مدة الدراسة، فما التلميذ بمستطيع أن يستوعب شيئاً، ولا المدرس بمستطيع أن يحشو ذهنه الغض.
منهاج الدراسة
هذا الصبي الصغير قد تثقف ثقافة أولية بحتة لم يلمس فيها رهقاً ولا عنتاً، وهو حين التحق بالمكتب الزراعي لم يقدر أن يحمل ما لا طاقة له به
هنا، في هذا المكتب، يرزح الصبي تحت ثقل ينوء به، فالعلوم كثيرة متراكبة ومتشابكة، ومواد العلم الواحد أو فرع العلم طويلة مملة، فماذا وراء أن يدرس التلميذ في المكتب - مثلاً - منهجاً طويلاً في مسك الدفتر فيه: اليومية، واليومية الزفرة، والأستاذ، وحساب الأرباح والخسائر، والميزانية، والأوراق المالية و. . . مما يهبط عقل التلميذ ويتركه في