لست أعني هذا الشباب الغض الغريض، الحلو الناعم، الذي يجرح خديه لمس النسيم، ويدمى بنانه مسّ الحرير، والذي يرق حتى يسيل من العيون نظرات ساحرة مغرية، ويدق حتى يستحيل إلى فكرة تطير كالفراشة بين أزهار الجمال في روضة الحب، أو نسمة معطرة تهب من حراش فتاة فتانة، أو قبلة فيها خمر وعسل تجمع لذائذ الدنيا في رشفة مسكرة. . . لست أعني هذا الشباب الفاتن المتأنث الذي يسبي القلوب، ويسلب النفوس، ويعيش الهوى والأحلام، ويبدأ تاريخ حياته بالحاء (ح) فلا يتلبث أن ينتهي بالباء (ب). . .
إنما أعني الشباب الحي العامل القوي المتين، الذي وضع له غاية في العيش أبعد من العيش، ونظم نفسه حلقة في سلسلة شعبه، واتخذ له مطمحاً، ومثلاً عالياً، ثم عمل على بلوغه، وسعي إليه باندفاع الصواعق المنقضة، وقوة العواصف العاتية وثبات الطبيعة، وألقى في سفر حياته الراء بين الحاء والباء؛ وهل الحياة إلا حرب دائمة ونضال مستمر، فتنازع على البقاء، وتسابق إلى العلاء
لا يبقى غير الصالح، ولا يصلح غير القوي. . هذه هي الحقيقة الباهرة، هذا هو القانون المقدس الذي لا يلغيه برلمان، ولا يعبث به إنسان، ولا يخرج عليه إنس ولا جان ولا حيوان، لأنه من قوانين الله التي كتبها على صفحة الوجود يوم أخرجه من العدم، وقال له كن فكان
الجراد يأكل البعوض، والعصفور يفترس الجراد، والحية تصطاد العصافير، والقنفذ يقتل الحية، والثعلب يأكل القنفذ، والذئب يفترس الثعلب، والأسد يقتل الذئب، والإنسان يصطاد الأسد، والبعوض يميت الإنسان. . . هذه هي السلسلة الإلهية الخالدة لا تبديل لها ولا تغيير. إما أن تقتل الأسد، وإما أن يقتلك البعوض
فيا شباب! لا يغلبكم البعوض، ولكن اغلبوا الأسود!
الحق ثقيل، ولكن الحق أحق أن يقال. فأرجو إلا يغضب مَن ههنا من يحسبون أنفسهم شيوخاً إن خاطبت الشباب، وقلت إن المستقبل للشباب. ولكن من هم الشباب؟ يصف أندريه موروا الشباب بالرغبة الأكيدة في حياة العاطفة والحب، وحياة الحماسة والبطولة،