باب العمود إلى الطريق المدرج ذي الدرجات الواسعة الوطيئة التي تهبط أو تصعد بالسابل يكاد لا يحس الانحدار والصعود، ومررت بهذه العقود الجانبية على طريق التاريخ إلى البيت المقدس تحمل الأبنية العالية كأنها عقود السنين تنوء بما تحمل من أحداث وذكر. والسابلة ميممة شطر المسجد يهتدي بسيرها من لا يهتدي طريقه. شهدت في الحرم جمعة قبل هذه فإذا عيد إسلامي يشترك فيه الرجال والنساء والأطفال؛ الآباء والأمهات في صلاة، والأطفال في رحاب الحرم يمرحون؛ ولكن اليوم يوم جمعة اليتيمة وقد حرص على شهودها في المسجد الأقصى كثير من بيت أهل المقدس والبلاد القريبة، وهذه الوفود تتوالى في أزياء المدن والقرى، وقد تقسمت المصلين مصليات كثيرة في فناء الحرم رضى بها من أشفق من الزحام في المسجد الأقصى وقبة الصخرة. وسرت فرحاناً خاشعاً أتحرى طريقي إلى حجرة السيد المجددي فلما بلغت الحجرة أدركني عند بابها صديق عظيم لا يغيب وجهه عن مشهد من مشاهد الخير قلت: السيد ليس ها هنا الآن نعود بعد الصلاة. وأحسب المسجد مكتظاً فهلم إلى الصخرة. قال: نصلي هنا في جماعة من هذه الجماعات. فجلسنا وطرفي مقسم بين الجماعات التي تؤم مواضع الصلاة، والجماعات التي تبوأت أماكنها في هذا المحشر. استقرت بالمصلين المجالس زرافات لا يرى بينها إمام، وخيل إلي أنها جماعات المسجد الحرام تتجه وجهات مختلفة ولكنها كلها إلى الكعبة
وكبر إمام المسجد فتوالى التكبير بعيداً فانتفضت هذه الجماعات قياماً، وأحكمت صفوفها وتوالى تكبيرها. ما أعظم هذا مشهداً جميلاً رائعاً! وقفت أتلفت إلى الجماعات المتفرقة في أرجاء المسجد ثم أحرمت فلم يمنعني خشوع الصلاة من أن أجيل الطرف أمامي: هذه قبة المسجد الأقصى وأبنية أخرى تتخللها أشجار باسقات، وأمامي على بعد جماعة من النساء اصطففن عند حجرتين عليهما قبتان، والى اليسار جماعة أخرى من النساء وقفن مع عمد جميلة تعلو بئراً من آبار الحرم، وبعدها ذات اليسار جماعة أخرى عند العقود المشرفة على الدرج المؤدي من باب القبة القبلي إلى باب المسجد الكبير وبعدها جماعة من الرجال. ورأيت قبل الإحرام جماعة ذات اليمين في الفناء الأدنى، وأخرى خلفنا فوق صحن الصخرة المرتفع. فما زلت أراها بقلبي مع هذه الجماعات التي يدركها البصر أمامي. قلت لنفسي إنك في شغل عن الصلاة بهذه المشاهد. قالت: إني أشغل عن صلاة بصلاة، وأخرج