اشتري بها خبزي ولحمي، واخذ ما فضل عندي من الخضر فيطبخه (أهل البيت) ونأكله وننام حامدين ربنا على نعمائه، لا نحمل هما ولا نفكر في غد، ولا صلة لنا بالناس ولا بالحكومة، ولا نطالب أحدا بشيء ولا يطلب منا شيئا. ولم اكن متعلما ولا قعدت في المدرسة، ولكني كنت أعرف كيف اصلي فرضي، وأحسب دراهمي. . . ولقد عشت هذا العمر كله ولم أغش ولم أسرق ولم اربح إلا الربح الحلال، وما كان ينغص حياتي إلا انه ليس لي ولد، فجربنا الوسائل وسألنا القابلات ولم يكن في حارتنا طبيب ولم نحتج إليه. فقد كان لنا في طب (حسو العطار) وزهوراته وحشائشه ما يغنينا عن الطبيب والصيدلي. وإذا احتجنا إلى خلع ضرس فعندنا الحلاق، أما أمراض النساء فمرد أمرها إلى القابلة، ورحم الله أم عبد النافع قابلة الحارة، فقد لبثت أربعين سنة تولد الحاملات ولم تكن تقرأ ولا تكتب.
أقول إنا سألنا القابلات والعجائز فوصفن لنا الوصفات فاتخذناها، وقصدنا المشايخ فكتبوا لنا التمائم فعلقناها، فلم نستفد شيئا؛ فلم يبق إلا أن ننظر أو ل جمعة في رجب لنقصد (جامع الحنابلة)، فلما جاءت بعثت (أهل البيت) فقرعت حلقة الباب وطلبت حاجتها فنالت طلبها. . . وحملت. . .
وصرت أقوم عنها بالثقيل من أعمال المنزل لأريحها خشية أن تسقط حملها وأكرمها وادللها. وصرنا نعد الأيام والساعات حتى كانت ليلة المخاض فسهرت الليل كله ارقب الوليد، فلما أبتلج الفجر سمعت الضجة وقالت (أم عبد النافع): البشارة يا أبا إبراهيم! جاء الصبي.
ولم أكن أملك إلا ريالا مجيديا واحدا فدفعته إليها.
وقلبنا الصبي في فرش الدلال، أن ضحك ضحكت لنا الحياة، وان بكى تزلزلت لبكائه الدار، وان مرض اسودت أيامنا وتنغص عيشنا. وكلما نما إصبعا كان لنا عيد، وكلما نطق بكلمة جدت لنا فرحة، وصار أن طلب شيئا بذلنا في إجابة مطلبه الروح. . . وبلغ سن المدرسة، فقالت أمه أن الولد قد كبر فماذا نصنع به؟ قلت: أخذه إلى دكاني فيتسلى ويتعلم الصنعة.