للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قلت: ولم لا؟ أيترفع عن مهنة أبيه؟

قالت: لا والله العظيم! لابد أن ندخله المدرسة مثل عصمه ابن جارنا سموحي بك. أريد أن يصير (مأمورا) في الحكومة فيلبس (البدلة) والطربوش مثل الأفندية. . .

وأصرت إصرارا عجيبا فسايرتها، وأدخلته المدرسة، وصرت أقطع عن فمي وأقدم له ثمن كتبه. فكان الأول في صفه، فاحبه معلموه وقدروه وقدموه. . .

ونجح في الامتحان، ونال الشهادة الابتدائية. فقلت لها: يا امرأة! لقد نال إبراهيم الشهادة، فحسبنا ذلك وحسبه وليدخل الدكان.

قالت يوه! ويلي على الدكان. أضيع مستقبله ودراسته؟! لابد من إدخاله المدرسة الثانوية.

قلت: يا امرأة، من علمك هذه الكلمات؟ ما مستقبله ودراسته؟ أيترفع عن مهنة أبيه وجده؟ قالت: أما سمعت جارتنا أم عصمة كيف تريد أن تحافظ على مستقبل ابنها ودراسته؟ قلت: يا امرأة. اتركي البكوات. . . نحن جماعة عوام مستورون بالبركة، فما لنا وتقليد من ليسوا أمثالنا؟

فولولت وصاحت: ودخل الولد الثانوية، وازدادت التكاليف فكنت أقدمها راضيا. . . ونال البكالوريا.

قلت: وهل بقى شيء؟

قال الولد: نعم يا بابا. أريد أن اذهب إلى أو ربا

قلت: أو ربا؟ وما أو ربا هذه؟!

قال: إلى باريز. . .

قلت: أعوذ بالله! تذهب إلى بلاد الكفار؟ والله العظيم أن هذا لا يكون!

وأصر وأصررت وناصرته امه، فلما رأتني لا ألين، باعت سواري عرسها وأقراطها، وذلك كل ما لها من حلي اتخذتها عدة على الدهر، ودفعت ثمنها إليه على الرغم مني!

وغضبت عليه وقاطعته مدة، فلم أرد على كتبه، ثم رق قلبي وأنت تعلم ما الوالد؟ وصرت أكاتبه واسأله عما يريد. . . فكان يطلب دائما. .

أرسل لي عشرين ليره. . . أرسل لي ثلاثين. . . فكنت أبقى أنا وأمه ليالي بطولها على الخبز القفار أرسل إليه ما يطلب!

<<  <  ج:
ص:  >  >>