وكان رفاقه يجيئون في الصيف وهو لا يجيء معهم، فادعوه فيعتذر بكثرة الدروس، وانه لا يحب أن يقطع وقته بالأسفار!
ثم ارتقى فصار يطلب مئة ليرة. . . وزاد به الأمر آخره مرة فطلب ثلاثمئة!
تصور يا سيدي ما ثلاثمئة ليره بالنسبة لخضري تجارته كلها لا يساوي ثمنها عشرين ليره، وربحه في اليوم دون الليرة الواحدة؟ ويا ليته كان يصل إليها في تلك الأيام التي رخصت فيها الأسعار، وقل العمل، وفشت البطالة، ثم انه إذا مرض أو اعتل علة، بات هو وزوجته على الطوى. . . فكتبت إليه بعجزي ونصحته إلا يحاول تقليد رفاقه، فإن أهلهم موسرون ونحن فقراء فكان جوابه برقية مستعجلة بطلب المال حالا!
وإنك تعجب يا سيدي إذا قلت لك أني لم أتلق برقية قبلها في عمري. فلما قرع موزع البريد الباب ودفعها إلى، واخذ إبهام يدي فطبع بها في دفتره، انخرطت كبدي من الخوف، وحسبتها دعوة من المحكمة، وتوسلت إليه وبكيت، فضحك الملعون مني وانصرف عني، وبتنا بشر ليلة ما ندري ما نصنع، ولا نعرف القراءة فنقرا ما في هذه الورقة الصفراء، حتى اصبح الله بالصباح ولم يغمض لنا جفن، وخرجت لصلاة الغداة فدفعتها لجارنا عبده أفندي فقراها واخبرني الخبر، ونصحني أن أرسل المبلغ، فلعل الولد في ورطه وهو محتاج إليه!
فبعت داري بنصف ثمنها، أتسمع يا سيدي؟ بعت الدار بمئتي ليره وهي كل ما املك في هذه الدنيا، واستدنت الباقي من مراب يهودي دلوني عليه بربا تسعة قروش عن كل ليره في الشهر، أي إن المئة تصير في أخر السنة وثمانية! وبعثت بذلك إليه وخبرته أني قد أفلست!
وانقطعت عني كتبه بعد ذلك ثلاث سنوات، ولم يجب على السيل من الرسائل التي بعثت بها إليه!!
ومر على سفره سبع سنين كوامل لم أر وجهه فيها، وبقيت بلا دار، ولا حقني المرابي بالدين، فعجزت عن قضائه، فأقام على الدعوى، وناصرته الحكومة علي لأنه ابرز أو راقا لم ادر ما هي فسألوني: أأنت وضعت بصمة إصبعك في هذه الأوراق؟
قلت: نعم. فحكموا على بان أعطيه ما يريد وإلا فالحبس. وحبست يا سيدي. نعم حبست