وبقيت (المرأة) وليس لها إلا الله، فاشتغلت غسالة للناس، وخادمه في البيوت، وشربت كأس الذل حتى الثمالة
ولما خرجت من السجن قال لي رجل من جيراننا: أرأيت ولدك؟ قلت: ولدي؟! بشرك الله بالخير. أين هو؟ قال: ألا تدري يا رجل أم أنت تتجاهل؟ هو موظف كبير في الحكومة ويسكن مع زوجته الفرنسية دارا فخمه في الحي الجديد.
وحملت نفسي وأخذت أمه وذهبنا اليه، وما لنا أمنية في العيش إلا أن نعانقه كما كنا نعانقه صغيرا، ونضمه إلى صدورنا ونشبع قلوبنا منه بعد هذا الغياب الطويل. فلما قرعنا الباب، فتحت الخادمة، فلما رأتنا اشمأزت من هيئتنا، وقالت: ماذا تريدون؟ قلنا: نريد إبراهيم. قالت: إن البك لا يقابل الغرباء في داره، اذهبا إلى الديوان. قلت: غرباء قليلة الأدب؟ أنا أبوه. وهذه أمه.
وسمع ضجتنا فخرج، وقال: ما هذا؟ وخرجت وراءه امرأة فرنسية جميلة
فلما رأته أمه بكت وقالت: إبراهيم حبيبي؟ ومدت يديها وهمت بإلقاء نفسها عليه، فتخلى عنها ونفض مامسته من ثوبه وقال لزوجته كلمة بالفرنساوي، سألنا بعد عن معناها فعلمنا إن معناها (مجانين)!
ودخل وأمر الخادم أن تطردنا. . . فطردتنا يا سيدي من دار ولدنا!
وما زلت اتبعه حتى علقت به مرة فهددني بالقتل إذا ذكرت لأحد أني أبوه وقال لي: ماذا تريد أيها الرجل؟ دراهم؟ أنا اعمل لك راتبا بشرط ألا تزورني ولا تقول انك أبي!!
ورفضت يا سيدي الراتب وعدت استجدي الناس، وعادت أمه تغسل وتخدم حتى عجزنا وأقعدنا الكبر والمرض فجئت أشكو إليك فماذا نصنع؟
فقلت للرجل: خبرني أو لا ما اسم ابنك هذا وما هي وظيفته؟ فنظر ألي عاتبا وقال: أتحب أن يقتلني؟!
قلت: أن الحكم لا يكون إلا بعد دعوى، والدعوى لا تكون إلا بذكر اسمه.