لو أمسك جيل الأمس بعضا القيادة كما يجب أن تمسك، وحمل مشعل الهداية كما ينبغي أن يحمل، لسارت أمور الشباب كما يشتهي لها المصلحون أن تكون. . . أليس القادة الحقيقيون من ذلك الجيل الذي نعنيه؟ أليس منهم الوالد الذي يضع منهج التربية في محيط البيت، والأستاذ الذي يحدد معاني الخير في رحاب المدرسة، والزعيم الذي يرسم طريق الجهاد في نطاق المجتمع؟ كل هؤلاء قادة، وكل هؤلاء من الجيل المتهم بالتقصير في حق هذا الجيل الذي تلاه. . . وهكذا تبدو النتائج واضحة في ضوء المقدمات!
ولقد قلنا إن المقارنة بين الجيلين كانت عادلة وغير عادلة. . . عادلة من وجهة النظر التي تقول لك: إن جيل الأمس القريب كانت تسيطر عليه مثل وتجذبه أهداف وتغريه تضحيات. ولقد كان ذلك بفضل الجيل الذي سبقه ومهد لوجوده وصهره في بوتقة التجارب ولم يبخل عليه بالتقويم والتهذيب. ولكنها غير عادلة حين نقارن مرة أخرى بيم ما لقي شباب الأمس من رعاية وبين ما قلي شباب اليوم من إهمال. . . وما أفدح التبعة الملقاة على عاتق الفريق الأول حين نحاسبه على تلك الدروس القيمة التي ورثها عن الأباء، ثم نسى أن يدفع بها إلى رءوس الأبناء!!
ومع ذلك فنحن لا نعفي شباب اليوم من التبعة حين يكون لهم من تحملها نصيب. . . ونصيب الشباب من التبعة يتمثل في أعراضهم عن حب القراءة والإطلاع وإقبالهم على فنون اللهو والمتاع. لو كانوا يقرءون لأدركوا في صحبة الكتب ما لم يدركوه في صحبة القادة، من آراء تأخذ بيدهم حين يحتاجون إلى العون وأفكار تسدد خطاهم حين يفتقرون إلى الثقة، وتوجيهات تلهب مسعاهم حين يعوزهم الإيمان. . . ولكنهم لا يقرءون، ولو قرءوا لتطهرت نفوسهم من أدران القلق والحيرة، وتجددت في شعورهم قيم الخلق والكرامة، واستقرت في أعماقهم مثل الحق والخير والجمال
وماذا يفعل المفكرون والباحثون والدعاة بعهد جديد، وأمور المتعلمين تعترض طريق الدعوة المخلصة وتحول بينها وبين منافاة العقول والأسماع؟!