الصباح واتجه تواً إلى أقفاصه وجراره التي احتوت هذه الحيوانات الخطيرة. أما سمكة المرجان فظلت تفتح فاها وتغلقه وهي تعوم عوم الوداع الآمن في طاسها الكبير ذي البطن العظيم. أما الضفادع فظلت تنق نقيق من لا يأبه لشيء. وأما ثعابين البحر فكانت على عهدها نشيطة رشيقة في انزلاقها على الماء، وأما السلاحف فكانت تخرج رأسها أحياناً من بيتها العظم وتطرف بعينها لكوخ كأنها تغمز به وتقول:(إن مكروبك يا سيدي العزيز غذاء صالح لنا، فهل لديك من مزيد؟)
سلمت هذه الحيوانات من محاقن كوخ، ولا عجب، فهي في حياتها العادية منيعة على السل. أما الخنازير الغينية فأخذت تميل ثم تتساقط على جنوبها تتلهف على الهواء وتستدر الرحمات ثم تموت وقد براها السل برياً شديداً
والآن وقد أتم كوخ آخر حلقة من البرهان الذي أراده، تهيأ ليعلن للدنيا أن البشلة التي هي سبب السل الحق قد اصطيدت، قد اكتشفت! وما كاد يهم بالإعلان حتى خطر له أن للبرهان ذيلاً لا بد من إتمامه. قال: إن الناس لا بد آخذة هذه البشلات استنشاقا مع تراب الهواء، أو لعلهم آخذوها من المسلولين إذ يسعلون. فليت شعري أتأخذه الحيوانات السليمة بهذه الطريقة أيضاً؟) وما عتم أن قلب وجوه الحيلة لإجراء هذه التجربة الخطرة. وارتأى أن يرش البشلات رشا في وجوه الحيوانات. وتلك مخاطرة من دونها فتح أبواب السجن لعشرات الألوف من القتلة السفاحين
ولكن كوخ كان مشبعاً بروح الصيد، فعرف أنه لا بد له من مواجهة الأخطار التي لا مندوحة لصياد عنها. فصنع صندوقا كبيرا في الجنينة ووضع فيه الخنازير الغينية والفئران والأرانب. وأوصل من شباك معمله خرطوماً ينتهي طرفه في الصندوق برشاشة. وقعد هو في معمله عند طرف الخرطوم الآخر يحرك مضخة ينبعث من تحريكها في الصندوق ضباب من البشلات قتال يستنشقه ما في الصندوق من حيوان، وقام كوخ يحرك المضخة نصف ساعة كل يوم طيلة ثلاثة أيام. وعند فوات عشرة أيام وجد ثلاثة من الأرانب تتنفس سريعاً في طلب هذا الهواء الغالي الذي عجزت رئاتها المريضة عن إعطائها إياه. ولم تمض خمسة وعشرون يوماً حتى كانت هذه الخنازير قامت هي أيضاً بنصيبها المتواضع من هذه المأساة المجيدة فمات الواحد تلو أخيه مسلولاً