والصدق، فيما يتبينه قارئ القرآن، يكون في القول والفعل؛ فكما يصدق الإنسان بالإنباء عن الحق يصدق بتأدية الواجب المرجو منه. فمن أوفى بعهده، ومن ثبت في نصرة الحق الذي يدعوا إليه، ومن قام في الخير المقام الذي يجدرُ به، فقد صدقت أفعاله ووافقت ما ينتظر منه في معترك الحياة
وقد عدد القرآن خلالاً من البر كالصدق والوفاء بالعهد والصبر في الشدة وختم الآية بقوله:(أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون.) فسمي هذه الأعمال صدقاً
ويقول القرآن الكريم:(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً) ويقول: (وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق وأجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً)
مدخل الصدق ومخرج الصدق أن يدخل الله الإنسان في كل الأمور إدخالاً صادقاً ملابساً للحق والخير، وأن يخرجه من الأمور كلها كذلك إخراجاً مقارناً للحق والخير، فيجعل تصرفه في الأمور كلها كما يجب عليه ويرجى منه، في غير رياء ولا تزوير ولا تضليل ولا غش ولا خداع
وقال القرآن في جزاء المؤمنين والمتقين:(وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم) وقال: (إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر) فقدم الصدق يراد بها المسعى الصادق الذي يدخر عند الله جزاؤه، أو المقام المحمود عند الله تعالى، ومقعد الصدق المنزلة التي تفي بما استحقوا من ثواب
والكذب فيما يفهم من الآيات القرآنية يكون كذب الأقوال وكذب الأفعال كذلك. فمن فعل غير ما يقضيه حاله فهو كاذب، ومن حشر نفسه في غير زمرته فقد كذب، ومن اتخذ غير شارته فقد كذب، ومن قعد عن نصرة الحق وهو قادر فهو في مقام الكاذبين، ومن فر عما يلزمه الثبات له أو الدفع عنه فقد كذبت دعواه ومظهره، فان هوْلاء جميعا قد وعدت أحوالهم واْخلفت اْفعالهم، وقد حكى القران الكريم وعن قوم آمنوا بالرسل ثم دعوا إلى الارتداء، اْنهم قالوا:
(قد افترينا على الله كذباً إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها). فقد سموا الرجوع إلى الباطل بعد ان استبانت دلائل الحق، كذباً على الله. وقريب من هذا قوله في قصه يوسف: