(وان من أراد أن يحصر الشعر في تعريف محدود لكمن يريد أن يحصر الحياة نفسها في تعريف محدود، فالشاعر لا ينبغي أن يتقيدالا بمطلب واحد يطوي فيه جميع المطالب، وهو (التعبير الجميل عن الشعور الصادق) وكل ما دخلفي هذا الباب، باب التعبير الجميل عن الشعور الصادق، فهو شعر وان كان مديحا أو هجاء أو وصفا للإبل والأطلال وكل ما خرج عن هذا الباب فليس بشعر وان كان قصة أو وصف طبيعة أو مخترع حديث).
فالشعر عند العقاد كالحياة ليس إلى حصره ولا إلى تحديده من سبيل، أو هو كالحياة يحصر ويحدد إذا أمكن حصر الحياة أو تحديدها. ولكن العقاد بعد ذلك يعرف الشعر بأنه التعبير الجميل عن الشعور الصادق وهو بهذا التعريف نفسه قد حدد الشعر وجعله أضيق من الحياة. فليست الحياة كلها تعبيرا جميلا عن شعور صادق بل في الحياة شعور غير صادق يعبر عنه تعبير غير جميل، وفيها شعور كاذب يعبر عنه تعبيرا جميلا، وفيها شعور صادق يعبر عنه أحيانا تعبيراً جميلا وتعبيرا غير جميل. وإذا فليس الشعر كالحياة لا سبيل إلى حصره بل ليس الشعر كالحياة يحصر كما تحصر الحياة ويحدد كما تحدد الحياة. وإنما الشعر لون من ألوان الحياة وتحديده ليسمستحيلا ولا عسيرا وآية ذلك أن العقاد نفسه قد حاول هذا التحديد فعرف الشعر بأنه التعبير الجميل عن الشعور الصادق وجعل كل ما يدخلفي هذا الباب شعرا مهما يكنجوهره وكلما يخرج من هذا الباب لم يجعله شعراً مهما يكن شكله وصورته وموضوعه.
وأظن إن العقاد لم يوفق في هذا التعريف فماذا أراد بالتعبير الجميل اهو المنظوم أو المنثور؟ أم هما المنظوم والمنثور معاً؟ فان تكن الأولى فقد يدخل في تعريف الشعر من الكلام ما ليس منه وإن تكن الثانية، فقد يخرج الشعر المنظوم كله من هذا التعريف، وإن تكن الثالثة فكل كلام جميل يصف شعورا صادقا فهو شعر. وإذا ففيما تقسيم الكلام إلى شعر ونثر؟. سيقول العقاد إن هذا التقسيم قديم لا غناء فيه ولكن العقاد نفسه لم يسم نثره شعرا ولم يطلق لفظ الديوان الا على كلامه المنظوم. ووحي الأربعين فيما اعلم نظم كله لا نثر فيه الا الشرح والتفسير. فالتعريف إذا من هذه الناحية بعيد كل البعد عن الدقة التي يعرف بها العقاد. ويزداد هذا البعد إذا توسعت بعض الشيء في معنى التعبير الجميل، والموسيقى تعبير جميل، والغناء تعبير جميل. فكل فن جميل إذا، فهو شعر، وهذا كلام يقوله الكتاب