بتدبير المعاش
ولو شئت لقلت إن الرجل الذي يدعو إلى هجر الأدب الجاهلي جملة واحدة بحجة أنه يشل التفكير هو نفسه الرجل الذي اشترك في تأليف الكتاب (المجمل) والكتاب (المفصل) والكتاب (المنتخب) بأجر معلوم تعرفه خزينة وزارة المعارف
فإن كان أحمد أمين صادقاً في حكمه على الأدب الجاهلي فكيف جاز عنده أن يشترك في تلك المؤلفات وفيها مكان ظاهر للأدب الجاهلي وهي خليقة بأن تشل عقول التلاميذ؟!
وكنت قلت إن الأستاذ أحمد أمين لا يستطيع أن يخدم الجامعة المصرية بالمجان، وإنه يأخذ منها في كل شهر ستين دينارً، فكتب إلينا أحد المطلعين يقول إنه يأخذ من الجامعة في كل شهر خمسة وثمانون لا ستين
فهل يجوز للرجل أن يأخذ هذا المبلغ بطمأنينة خلقية في تدريس الأدب العربي وهو يعتقد أنه أدب لا يستحق العناية وأنه كان في ماضيه الطويل أدب تسوُّل واستجداء؟
وبعد توضيح هاتين المسألتين أرجع إلى هذا الرجل رجعة قاضية.
لقد دل على مبلغ فهمه للأدب حين ساق هذين البيتين في مقاله الثالث في جناية الأدب الجاهلي:
فما روضة زهراء طيبة الثرى ... يمج الندى جثجاثَها وعرارَها
بأطيب من أردان عزة موهناً ... إذا أوقَدَتْ بالمندل الرطب نارَها
فقد ضبط هذين البيتين على نحو ما يرى القارئ: فجعل الندى في البيت الأول فاعلاً وجعل الجثجاث والعرار مفعولين، وجعل (أوقدت) في البيت الثاني مبنياً للمعلوم ونصب النار على المفعولية
فهل سمعتم قبل ذلك أن الندى يمج الزهر والنبات؟
لو كان أحمد أمين يتأمل ما يقرأ لعرف أن الندى في البيت الأول من هذين البيتين لا يمكن أن يكون فاعلاً، ولعرف أن (أوقد) في البيت الثاني فعل مبني للمجهول ليجعل الشاعر معشوقته عقيلة تخدمها الوصائف
فهل يستطيع أحمد أمين أن ينكر أنه أخطأ في ضبط هذين البيتين؟
وهل يمكن لمن يثقون بكفايته الأدبية أن ينكروا أن لمثل هذا الفهم الخاطئ دلالة على مبلغ