نترك هذا وننتقل إلى أحكامه على الشعر العربي في العصر الإسلامي، وهو يراه لم يتغير من حيث الموضوع فظل كما كان محصوراً في المديح والهجاء والفخر والحماسة والغزل والرثاء
والظاهر أن أحمد أمين لم يدرس الشعر الأموي دراسة تمكنه من فهم الفرق بينه وبين الشعر الجاهلي، فليس بصحيح أن الموضوعات لم تتغير، وليس بصحيح أن الشعراء الأمويين كانوا يتناولون الأغراض الشعرية على نحو ما كان يتناولها الجاهليون
وإذا صح أن الشعر الجاهلي والإسلامي متحدان في الموضوعات فهناك فرق ظاهر جداً بين العصرين في تصور تلك الموضوعات
فالغزل في العصر الأموي فن جديد لا يعرفه العصر الجاهلي، وهل يتصور أديب أن أشعار عمر بن أبي ربيعة كانت لها سوابق عند الجاهلية؟
هل يتصور أديب أن تائية كثير في أغراضها ومراميها كانت لها نظائر في الشعر الجاهلي؟
وهل يصح لأديب أن يقول بأن غزليات العرجي وجميل والحارث بن خالد كانت لها أشباه قبل العصر الإسلامي؟
إن الأمويين تغزلوا كما تغزل الجاهليون، ولكنهم تفردوا بابتكار فن جديد هو القصص الغرامي، فهل فطن لذلك أحمد أمين؟
وهل يمكن نكران ما وصل إليه الأمويون من الرقة والظرف في النسيب؟
أليس فيهم الذي يقول:
إن لي عند كل نفحة بستا ... نٍ من الورد أو من الياسمينا
نظرةً والتفاتةً أترَّجى ... أن تكوِني حللت فيما يلينا
أليس فيهم الذي يقول:
يا أم عمران ما زالت وما برحت ... بنا الصبابة حتى مسَّنا الشفقُ
القلب تاق إليكم كي يلاقيكم ... كما يتوق إلى منجاته الغَرق
تعطيك شيئاً قليلاً وهي خائفة ... كما يمس بنظر الحية الفَرق