وقد كنت على سفر سنة ١٩٤٢ وكان معي أحد أطفالي وجلس معنا أحد أفراد القوات الحربية البريطانية؛ فوجدته يحاول إخفاء شعور قوي جارف يتملكه، ثم رأيته يداعب طفلي فبدأت أحدثه:(لست أدرى أيها الصديق ما سر شغفك بطفلي هذا) فجابني أجابني أأأجاأجابني (إن لي طفلاً في مثل سنه) فقلت له (وأين هو؟) قال: (في لندن) قلت (ومع من يقيم) قال مع والدته فقلت وأين تعمل قبل خدمتك بالجيش) قال (كنت موظفاً في لندن) قلت له (فمن الذي ينفق الآن على وزجك وطفلك) قال (إن زوجي قد شغلت مركزي وإن الحكومة تدفع لها نفس المرتب الذي كنت أتقاضاه) قلت له (وكيف تنفق أنت) قال (إن الحكومة تدفع لي مرتباً بوصفي أحد رجالها المحاربين) قلت له (فإذا قتلت؟) قال (تدفع الدولة معاشاً لعائلتي يكفل لها الحياة الكريمة). وأنا أسوق هذه القصة لأثبت بها مدى تعاون الشعب في خدمة الدولة، ومدى رعاية الدولة لأفراد الشعب.
ولعل مما يدل على حب الشعب البريطاني للاستقرار دراسة لأحزاب السياسية في إنجلترا، إذ أننا نجد في بريطانيا حزبين كبيرين هما حزب العمال، وحزب المحافظين، وحزباً ثالثاً لا خطر له هو حزب الأحرار. ولا تختلف الأحزاب السياسية في بريطانيا في سياستها الخارجية، فالسياسة الخارجية مرسومة موضوعة، ولكنهم مختلفون في السياسة الداخلية، فحزب العمال يؤمن بأن (العرض الحق من المجتمع هو أن يرفع ويحفظ كرامة ورفاهية الفرد) ويؤمن بأن من حق العمال على الدولة أن يعيشوا كراماً، وأما حزب المحافظين فهو يتكون من الرأسماليين وكبار الملاك، وهم حريصون أشد الحرص على تدعيم كيان الإمبراطورية البريطانية.
استقالة:
أن الشعب البريطاني يمتاز بتقديسه لحريته، وهو لا يقبل أن تقيد أبداً، وقد يختلف أفراده رأياً ولكنهم يجتمعون في النهاية على هدف واحد هو خدمة بريطانيا.
ولعل من أروع الأمثلة التي أستطيع أن أقدمها للقارئ الكريم مما يدل على مدى حب الإنجليزي لحرية رأيه وحرصه على تحقيق المبادئ التي يؤمن بها؛ ما كان من أمر استقالة مستر بيفان وزير العمل منذ أيام، فهذا الرجل كان وزيراً في وزارة العمال منذ سنة ١٩٤٥