للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أرتق وأثر هذه الصلة في أدبه.

فمن هم بنو أرتق؟ هم ملوك ماردين وديار بكر منذ أواخر الخامس الهجري. وهم بقايا من الدول التي خلفتها الدولة السلجوقية الناشئة في أواخر القرن الرابع الهجري وامتد ملكها مكن أواسط آسيا إلى غربها، واستولت علة بغداد والعراق في نحو منتصف القرن الخامس الهجري. ثم تشققت فيما بعد وانبثق منها دويلات عدة، كان في جملتها الدولة الأرتقية. وينتسب ملوك هذه الدويلة إلى جدهم أرتق الذي كان أحد قواد السلاجقة. فملك بيت المقدس زمناً ثم ملكها من بعده ابناه؛ فدهمتهما جيوش الدولة الفاطمية عام ٤٨٩هـ وانتزعت منهما بيت المقدس، فسار إلى الجزيرة الفراتية فملكها بها ديار بكر وقلعة ماردين واستقر بها عام ٤٩١هـ. وتتابعت أبناؤهما من بعدهما حتى ملك منهم المنصور وابنه الصالح اللذان عاشا في أوائل القرن الثامن الهجري، وهما اللذان اتصل بهما صفي الدين اتصالاً وثيقاً، وعاش في حاشيتهما زمناً طويلاً.

وكان صفي الدين من قبل هذا يعيش بين قومه في الحلة. ويبدو أن العشائر العربية فيها كانت لا تزال تعلق بها أشياء من الروح القبلية والعصبية الجاهلية. وكان قوم صفي الدين فريقين: فريق أبيه بنو سبنس من طي، وفريق أمه بنو محاسن. وكان بنو محاسن هؤلاء ذوي رياسة وثراء ومنهم (صفي الدين بن محاسن) وأخوه (جلال الدين بن محاسن). نشأ الشاعر بين هؤلاء وهؤلاء فأحس بما لقومه من عراقة في الأصل وفراهة في الحسب فحميت نفسه ووثبها الشباب فنشط شعره في باب الحماسة والفخر وربأ عن التكسب بالشعر. ثم وقعت الوقيعة بين أخواله، وآل أبي الفضل، فغدروا خاله (صفي الدين) وقتلوه بمسجده، فثارت ثائرة قومه وفي مقدمتهم شاعرهم صفي الدين الذي أهاب بخاله (جلال الدين) أن ينتقم. وما زالوا حتى أوقعوا بأعدائهم وأمعنوا فيهم كيداً وإذلالاً، فكان هذا ضراماً جديداً لحماسة الشاعر وفخره.

ويبدو أن الشاعر لم تهدأ ثائرته، ولم تثب أناته، ولم يقنع بهذا الانتقام، فظل يؤلب قومه على أعدائهم ويضري بين الفريقين نار العداوة والبغضاء حتى اصبح شجى في حلوق الأعداء وأصبحوا يتلمسون منه مقتلاً. فملكه الخوف، فآثر الفرار.

فر صفي الدين إلى بني أرتق يتطلب في كنفهم ملجأ يأوى إليه، ودرعاً يستجن بها فأجاروه

<<  <  ج:
ص:  >  >>