التعبير، أو عدم عناية بالديباجة العربية السليمة، فما هو واجد من ذلك شيئاً في شعر العقاد بالذات، ودون هؤلاء دواوين العقاد كلها إذا أرادوا
ولكن جماعة ممن يبيحون لأنفسهم أن يقتعدوا مقعد النقاد بلا مؤهلات، يقسمون الإنسانية تقسيما غريباً، ولا يسمحون أن يحتاز إنسان لنفسه موهبتين أو أكثر، كأنما يخشون نفاذ هذه المواهب التي بين أيديهم! فمن كان شاعر معان وأحاسيس، فما هو بشاعر موسيقى وتعبير، والعكس بالعكس، إلا من يشاء لهم (الإنصاف البديع) أن ينالوا أكثر من قسط، وهؤلاء يجب أن يكونوا من خصوم العقاد!
ومن هنا كان العقاد - عند هؤلاء - كاتباً ولم يكن شاعراً، فإذا سمحوا له بقسط من الشاعرية، فليكن هذا القسط في المعاني والأفكار، وليبق الأسلوب والتعبير وقفاً على طائفة خاصة من غير المغضوب عليهم، أو من أولئك الشعراء المريحين الذين لا يتعبون هؤلاء المحترمين في فهمهم وفي التسلق إلى مستواهم الرفيع، ولتختلف المقاييس حسب اختلاف الأهواء، فتارة يكون الأسلوب الجيد هو الجزل الرصين، حين يستعرضون للعقاد بعض القصائد السهلة الرشيقة، وتارة يكون الأسلوب الجيد هو العذب اللذيذ حين يعرضون للعقاد بعض القصائد المتينة الرصينة، ولو أنصفوا أنفسهم وأراحوها لقالوا: إن الأسلوب الجيد هو غير أسلوب العقاد في كل حالة، لأن هذا ما يرضي نقصهم وقصورهم حيناً، وحقدهم وتعنتهم أحياناً!
وهاأنذا أفتح الجزء الأول من ديوان العقاد، وهو الجزء الذي ابتدأ به حياته الشعرية، وانتهى من نظمه وهو في الرابعة والعشرين، وأختار هذا الشعر بالذات، لأن الشاعر في أبانه لم تكن قد استقامت له بعد طريق البيان، ولم يكن مالكا لريشته وألفاظه، وكان خليقاً أن يقصر ويعذر في التقصير
ولكن شيئاً من هذا لا تلمحه في ديوان الشاعر المبتدئ، بل إنني لأريد أن أفهم كيف يكون الأسلوب العربي الرصين المشرق، إذا لم يكن كالقطعة الأولى في الديوان الأول بعنوان (فرضة البحر)، حين يقول
قطبَ السفين وقبلة الربان ... يا ليت نوركِ نافع وجداني