قوة حجة:(إذا كان الملك يريد أن ينفرد بالأمر دوننا فلم دعانا إليه؟ وإذا كان قد دعانا لحاجة إلينا فكيف يسوغ له أن يشهر السلاح في وجوهنا)؟
وتطلعت الجمعية إلى رجلها من جديد وانتظرت باريس منه القول الفصل، ووثب ديموستين الفرنسي مرة ثانية إلى الصدر فهز جنبات القاعة بل جوانب فرنسا بخطاب من أبلغ ما فاه به. ثم أراد أن يأخذ الطريق على من يكيدون للجمعية بالدس فاقترح أن ترسل وفداً إلى الملك يعلن له ولاءها ويرجوه أن يسحب الجند من حول باريس. ولقد جعلت الجمعية ميرابو على رأس ذلك الوفد؛ فلما جاء الملك أجاب متهكما:(إنه وحده الذي يحرك جنده كما يريد، وإذا كان النواب يخافون هؤلاء الجند فلينسحبوا إلى ما وراء باريس؛ وبعد ذلك بيومين عزل (نكر) من الوزارة يوم ١١ يوليو سنة ١٧٨٩
أدرك ميرابو أن الكارثة واقعة لا محالة. ولم تنقض ثلاثة أيام على عزل نكر حتى حملت باريس السلاح ودكت ذلك الحصن العتيد سجن الباستيل رمز الطغيان والعبودية
دخلت الثورة في دورها الدموي الرهيب؛ ولقد ذعرت الجمعية وخشيت أن تقع الحرب الأهلية فتقضي على الثورة والجمعية معاً؛ وكان رجلها غائباً عنها لما علم من وفاة أبيه. فلما عاد عاودها الأمل وأوفدت وفداً جديداً يعيد على الملك ملتمس الجمعية، ووقف ميرابو ينصحه قائلا:(بلغوا الملك أن جنوده الذين أحاطوا بنا من كل صوب قد غمرتهم أيدي أمرائه وأميراته ورجال حاشيته بالهدايا والتحف. وأن هؤلاء الجند وقد بهرهم بريق الذهب ولعبت برؤوسه الخمر باتوا يتغنون بسحق فرنسا وكل ذلك في اليوم السالف لليلة سان بارنلميو)
ولكن هاهو ذا رسول من قبل الملك ينبئ الجمعية بأنه في الطريق إليها، وهاهو ذا ميرابو ينصح إليها أن تلاقيه جادة صامتة معلنة حدادها على من قتلوا في باريس قائلا:(إن في صمت الشعوب درساً للملوك)
وجاء الملك يستعين بالجمعية على تهدئة الحال في باريس ثم يدخلها في رهط من النواب معلناً رضاءه عما اتخذته بعد سقوط الباستيل! ويسحب الجند منها ومن فرساي!
وكانت باريس بعد أن أعلنت غضبتها قد سيطرت على الموقف فألفت الحرس الوطني وجعلت رياسته للافيات وانتخبت بابي عمدة لها وأسست كثيراً من الصحف والنوادي