للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عهدنا به إنساناً نحبه ولا ننزهه، ثم جاء الأستاذ سيد قطب بحسن أدبه يقول في الرجل غير ما عهدناه. . . يؤوّل كلامه ويأخذ منه ويدع ويتفلسف ويحلل ويزعم القدرة على التولج في طويات القلوب وغيب النفوس فيكشف أسرارها ويميط اللثام عما استودعت من خبيئاتها، ثم هو في ذلك لا يتورع ولا يحتاط، ولا يَرعى زمام الموت، ولا يوُجب حق الحيَّ

لقد كتب الأستاذ ما كتب، فقرأ كلامه من قرأ، أفيجد في هؤلاء من يقول له أصبتَ؟ ومن يقول له أحسنَتَ؟ ومن يزعم أن ليس له مندوحة عما اتخذ من اللفظ في ذكر الرافعي وصفته والحديث عنه وعن أدبه وشعره؟ أما يجدر بالأستاذ الفاضل أن يعود إلى بيته هادئ النفس مُخَلًّى من حوافز الحياة الدنيا، فيقرأ ما كتب مرة أو مرتين، ثم يرى هذا الذي ترك الدنيا بالأمس وحيداً، وخلف من ورائه صغاراً وكباراً من أبنائه وحفدته وأصحابه واللائذين به، ثم يراهم يقرءون ما يكتب عن أبيهم وجدهم وصاحبهم بالأمس، ثم يراهم والدمع يأخذهم بين الذكرى المؤلمة والألم البالغ! ولو فعل، لعرف كيف أخطأ ومن أين أساء، ولوجده لزاماً عليه أن يقدُر عاطفة الحي، إن لم يعظَّم حرمت الموت. وهذا أمر لا نطيل القول فيه ولا نكثر من لوم الأستاذ عليه، فإن مرجعه إلى طبيعته وما تضمره نفسه، وإلى تقديره لعواطف الناس

ومهما يكن من شيء، فسندعُ الأستاذ سيد قطب يقول ما يقول، ويذكر من رأيه في الرافعي ما يذكر، ويصف أدب الرجل وذهنه وقلبه ونفسه بما يوحي إليه، لا نعقب على شيء منها حتى يفرغ، وحتى يستوفي مادته، ويضع بين أيدينا كل حججه في فن الرافعي. فيوم ينتهي نبدأ نحن القول في الذي قال. . . لا نرد بذلك عليه قوله، أو نسدد له رأيه، فمالنا بذلك حاجة ولا لنا فيه مأرب، ولكنا نريد إذ ذاك أن نضع رأيه بمنزلة الرأي يقول به فئة من الناس، أو شبهة تحيك في صدر جماعة من الأدباء، فعلينا أن نبين مواضع الخطأ إذا أخطأ، ومكان الصواب إن أصاب، وذلك غاية ما نستطيع

أما ما يوعدنا به الأستاذ الفاضل، وما يسخر به ويتهكم، وما يضمر لنا من (بقايا) كلماته!! فليقل فيه ما شاء كما يشاء، وسنرده على قدره وفي طاقتنا وآدابنا، ولو اجتمع للأستاذ كل سلطان يستطيع به أن يسيء، فأساء إلينا بمثل الذي أساء به إلى الرافعي رحمة الله عليه،

<<  <  ج:
ص:  >  >>