قال (أما الكلية نفسها فقد تخلفت عن كليات العالم كله فلم تخرج على العالم، في ثورة العلم وتقدمه بشيء ذي خطر على حين قد سلخت نيفا ومائة سنة من عمرها المديد).
قلت (لا عليك، فسأنشر قضيتك أمام أساتذة الجامعة وهم قضاتنا وفيهم الرأي السديد والعقل الحر).
وكتبت الى حضرت الأساتذة الجامعيين استفتيتهم في أمر الرجل، وانتظرت الرأي الذي ينير والفتوى التي تهدي. . . ثم انتظرت أسابيع فلم أظفر من واحد منهم بكلمة.
وقلت لنفسي: (لعل واحداً من حضرت الأساتذة الأجلاء لم يقرأ نداء له نشرته أكبر مجلة أدبية في الشرق. ولا عليه من بأس إن لم يكن قد قرأ ما كتب، فشوا غل الحياة كثيرة تصرف الناس عن القراءة ومطالب العيش ثقيلة تضن بالمال على دواعي المطالعة. وليس للعقل أن يتكلم حين تلج حاجات العيش.
أو لعل واحداً منهم لم يجد الرأي الذي يشفي ولم يعثر - في خاطره - على الصواب الذي ينفع، فأمسك على ضيق وحصر خيفة أن يكلف نفسه شططاً.
أو لعل واحداً منهم لم يشأ أن يقذف بالرأي الحر الجريء فيتخطى بذلك تقاليد الوظيفة التي تفيد المرءوس برغبة الرئيس فيجلب على نفسه همة غضب العميد والخروج على التقاليد فآثروا جميعا العافية في الصمت
أو لعله الترف العقلي الذي يصيب الرجل فيقعد به عن الكد حين يخيل إليه إنه بلغ الغاية التي دونها كل غاية أو أنه أصاب الهدف الذي يتضاءل أمامه كل هدف.
والآن، ما رأي الجامعة. . . الجامعة التي أصبحت توصد الباب من دون كل طالب علم في غير تحرج لتذكرنا بأيام الجهالة الأولى حين كان الاستعباد يقوم سداً منيعاً يحجب النور عن البلاد، حين كان العلم حراماً على كثير من الناس استصغارا لشانهم وامتهانا لأقدارهم، حين كان الجهل يغمر آفاق البلاد، عن عمد وإصرار ليستبد ظالم أو يستبعد غاشم. . . ما رأي الجامعة التي هي اكبر جامعة عربية في العالم والتي أنشأها عاهل كبير لتنجلي غمة أو تنكشف ظلمة.
ما رأي الجامعة التي تعلم المنطق والعقل، ما رأيها في المنطق المختل الذي يتذرع بأسباب واهية ليست من المنطق ولا من العقل ليوهم الناس بأن شهادة عليا يعترف قانون الدولة