عدتها سربيا افتئاتاً على سيادتها وشدت ألمانيا أزر النمسا في موقفها ولكن روسيا تدخلت لتعضيد سربيا ضد النمسا باعتبارها حامية الشعوب السلافية. وكانت الأزمة الخطيرة التي أدت إلى وقوع الحرب بعد ذلك بأسابيع قلائل
وإذا لم يكن لجريمة مرسيليا مثل هذه النتائج السريعة الحاسمة فلا ريب إنها زادت الأزمة الأوربية تعقيداً وخطورة، وكانت عاملاً جديداً عميق الأثر في زعزعة السلام الأوربي. وإذا وقعت حرب جديدة في القريب العاجل، فان جريمة مرسيليا تكون بلا ريب بين عواملها الأولى. ومن المعروف أن السياسة الأوربية كلها تقوم اليوم على تهيئة أسباب الهجوم والدفاع في الحرب القادمة، وأنها تأخذ الطابع القديم الذي يوصف في لغة السياسة بالسلم المسلح أو السعي إلى صون السلام بالاستعداد للحرب دائماً. ومثل هذه السياسة تخضع دائماً لأزمات الساعة، لأنها تقوم على الأثرة والقومية المغرقة وليست تحدوها أية مُثل إنسانية أو دولية عامة. وقد وقعت جريمة مرسيليا في وقت تجتمع فيه أوربا في معسكراتها القديمة التي حالت آثار الحرب الكبرى مدى حين دون بعثها وتكونها. والدول التي تسيطر على مصاير السياسة الأوربية اليوم هي فرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا؛ وهي التي تتجاذبها في تكوين المعسكرات الهجومية والدفاعية وفرنسا اشدها سيطرة على الموقف ونفوذاً في تطوراته؛ ومقصد السياسة الفرنسية معروف هو العمل بكل الوسائل لعزل ألمانيا عن باقي الدول الأوربية حتى لا تقوى بالتحالف على مهاجمة فرنسا، وأحاطتها بسياج من الدول الخصيمة المتأثرة بالسياسة الفرنسية حتى تبقى دائماً في موقف الأحجام والضعف؛ وإذا وقعت حرب فان فرنسا تستطيع بمعاونة حلفائها أن تتغلب على ألمانيا. وقد سارت فرنسا في هذه السياسة إلى ما قبل جريمة مرسيليا شوطاً بعيداً، واستطاعت أن تجذب روسيا السوفيتية إلى معسكرها وان توثق سياسة التحالف الروسي الفرنسي القديم بعد أن لبثت روسيا مدى حين بعيدة عن حظيرة الدول الغربية وان تتوج هذا التحالف بالعمل على ضم روسيا إلى عصبة الأمم بعد أن لبثت تخاصمها منذ قيامها. وقد كانت السياسة الألمانية ما قبل الحرب تغالب التحالف الروسي الفرنسي بالتحالف الألماني النمساوي ولكن إمبراطورية النمسا والمجر القديمة قد ذهبت وقامت على أنقاضها دول تخاصم ألمانيا أو تتأثر بالسياسة الفرنسية. والسياسة الفرنسية هي التي خلقت كتلة التحالف الصغير في