ولما فتح المسلمون بلاد الفرس واستولوا على المدائن تحت قيادة سعد بن أبي وقاص في صفر سنة ١٦هـ وهي السنة الرابعة من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، خرب المسلمون ما خربوا من قصورها وانتهبوا ما انتهبوا من رياشها وأثاثها، ووصل عمل التخريب إلى إحراق ستر باب الإيوان فأخرجوا منه ألف ألف (مليون) مثقال من الذهب. فبيع المثقال بعشرة دراهم وبلغ ذلك عشرة آلاف ألف (١٠ ملايين) درهم. وقد جعل سعد بن أبي وقاص الإيوان محطاً لرحله وصلى فيه صلاة النصر بثماني ركعات.
وأنشئت في الدور الإسلامي الأول مدينة البصرة والكوفة فانتقل الناس إليهما. وما كاد المنصور يختط مدينة بغداد ويبنيها حتى تهافت الناس عليها وهجروا المدائن شيئاً فشيئاً حتى أصبحت أكثر العمارات خاوية والبنايات والقصور قفراً.
ولقد أراد الرشيد أن يهدم الإيوان وشاور في ذلك يحيى بن خالد البرمكي حين كان معتقلاً عنده إثر الفاجعة المعروفة فأشار عليه بأن لا يفعل، ولكن الرشيد أصر على رأيه في هدم الإيوان، وشرع في تخريبه. ثم نظر فإذا يلزمه في هدمه أموال طائلة لا طاقة له بها، فأمسك عن ذلك وكتب إلى يحيى يعلمه الخبر فأجابه أن ينفق في هدمه مهما بلغ من الأموال ويحرضه على فعله. فعجب الرشيد من تناقض كلامه وبعث إليه يسأله عن هذا. فقال: أما ما أشرت عليك به في الأول فلأني أردت بقاء الذكر لأمة الإسلام وبعد الصيت، وأن يكون من يرد في الإعصار ويطرأ من الأمم في الأزمان يرى مثل هذا البنيان العظيم فيقول إن أمة قهرت أمة هذا بنيانها لأمة عظيمة شديدة منيعة. وأما جوابي الثاني فأردت به نفي العجز عن أمة الإسلام كي لا يقول من يأتي في الإعصار الآتية إن هذه الأمة عجزت عن هدم ما بنت فارس. . . فلما بلغ الرشيد ذلك قال: قاتله الله فما سمعته قال شيئاً قط إلا صدق فيه ثم أعرض عن هدم الإيوان.
أما الآن، فلم يبق من ذلك البناء الشامخ إلا طاقه وجناحاه. وقد ورد أن هذا الإيوان من أعظم أبنية العالم، وهو مبني بالآجر على مرتفع من الأرض طوله (١٥٠) ذراعاً، في عرض مثلها، وأمامه ميدان طوله (٨٠) ذراعاً في عرض (٢٥). وقيل سعة الإيوان من ركنه إلى ركنه (٩٠) ذراعاً وارتفاعه (٨٠) ذراعاً. وقد تهدم هذا الإيوان ولم يبق منه في القرن السابع الهجري على ما ذكر ياقوت. إلا طاق يعرف بطاق كسرى، وهو طاق عظيم