بني بالآجر طول كل آجر نحو ذراع في عرض أقل من شبر. وكان فيه من التماثيل والصور شيء كثير: منها صورة كسرى أنوشروان وقيصر ملك إنطاكية وهو يحاصرها ويحارب أهلها.
وأما المدائن فقد أصبحت شبه قرية في الجنب الغربي من دجلة أهلها فلاحون، شيعة أمامية. ومن عاداتهم أن نساءهم لا يخرجن نهاراً أصلاً. وفي الجانب الشرقي منها مشهد الصحابي المعروف سلمان الفارسي رضوان الله عليه، وله موسم يذهب الناس إليه لزيارته والتبرك به ويكون ذلك في منتصف شعبان من كل سنة. وكان على مقربة من الإيوان قبران محترمان يرقد فيهما الصحابيان: عبد الله الأنصاري، وحذيفة ابن اليمان فأشرفا على الغرق لأن يه دجلة كانت - ولا تزال - تنال من الشاطئ، فنقلت الحكومة بقايا رفاتيهما إلى جامع سلمان الفارسي في عام ١٣٥٠ هـ بمهرجان عسكري فخم.
وقد شاهدت الإيوان منذ سنة تقريباً فرأيته لم يبق من عظمته غير الطاق المرتفع الذي يطاول السحاب بعلوه. أما ما وصفه (البحتري) من تلك الصور المنقوشة على الإيوان كصورة كسرى وجنوده وقواده وهم يتقدمون إلى جيوش أعدائهم الرومان. وصورته والجارية الحسناء تقدم له كأس الشراب وقد أحدقت به المغنيات والراقصات. كل تلكم الصور وأمثالها لا وجود لها الآن في الإيوان فقد انطمست أعلامها وانمحت آثارها. والفرق واضح بين ما كان عليه الإيوان في عصر الدولة العباسية وبينه في عصرنا الحاضر.
وكان من ولع شعراء العرب بوصف ما يرونه من آثار الطبيعة وما فيها من جمال وسحر، أو تجهم وعبوس، أن تطرقوا إلى عظمة هذا الإيوان، وذلك حين كانوا يقفون على أطلال المدائن الخاوية فيتصورون أن أهلها أحياء يسيرون في الأزقة والشوارع بدعة واطمئنان وأن الملوك في وسط قصورهم مع بلاطهم وحاشيتهم وما عليهم من ثياب مزركشة وحلل زاهية فتستفز هذه الأخيلة قريحة أولئك الشعراء وتحرك هذه المناظر قيثارتهم الشعرية، فيروحون ينشدون قصائدهم التي تفيض بعواطفهم المكبوتة إزاء ذلك الملك الذاهب فيأتون بالشعر والسحر الحلال. وكان من بين الذين شاهدوا عظمة الإيوان وما فيه الشاعر الأرجاني الذي رأى التماثيل الموجودة في الإيوان فنظم قصيدته الرائعة التي لم تدعه إلى