دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيداً، فجاء بكتف فكتبها. وشكا ابن أم مكتوم ضرارته فنزلت (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر).
وفي هذه الرواية إبهام وضحته الرواية التي رواها البخاري أيضاً بعدها عن سهل بن سعد الساعدي، وفيها التصريح بأن الذي نزل غير أولي الضرر وحدها.
ومن السور القصار ما كان ينزل جملة ومنها ما كان ينزل مفرقاً. ولقد كان هذا التنجيم مثاراً لعجب المشركين ومنشأ لاعتراضهم على القرآن، فقد سمعوا أن الكتب السماوية السابقة كانت تنزل على الرسل جملة واحدة كما نزلت التوراة على موسى في الألواح مرة واحدة فقالوا إذا كان القرآن قد نزل على محمد من عند الله كما يدعي فما باله لم ينزل عليه جملة واحدة كما نزلت التوراة على موسى وما باله تنزل منه الآية أو الآيات تلو الآية أو الآيات في أزمنة متطاولة؟ أليست سنة الله في إنزال الكتب واحدة؟
ألا يكون مجيئه هكذا مفرقاً دليلاً على أن محمداً صلى الله عليه وسلم يصطنعه، ثم يدعي أنه من عند الله؟
نعم!! ليست هذا الشبهة بأولى جهالاتهم؛ فقد قالوا في القرآن ما هو أبشع من هذا، وغالطوا حسهم وعقلهم وكابروا وجدانهم؛ فقالوا:(إن هذا إلا أساطير الأولين)؛ وقالوا:(أساطير الأولين اكتتبها، فهي تملي عليه بكرة وأصيلا)؛ وقالوا:(إن هذا إلا أفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون)؛ وقالوا:(وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات، قال الذين كفروا للحق لما جاءهم: إن هذا إلا سحر مبين)؛ وقال الوليد بن المغيرة: إن هذا إلا سحر يؤثر، إن هذا قول البشر:(وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا أفك قديم). وهكذا شأن كل جهول يحكم على الأشياء بجهله، وبما يوحيه إليه فساده واستبداده، وتصوره له سخافة فكرة
ولقد جهل المشركون أن نزول القرآن منجماً أمر اقتضته حكمة الله التي سمت عن عقولهم، وضلت عنها أفكارهم؛ وأنه لولاه لما أحدث القرآن الكريم في الأمة العربية ذلك الانقلاب الخطير الذي تسري أثره في الأمم؛ فكان حداً فاصلاً بين عهدين: عهد طفولة النوع البشري، وعهد بلوغ أشده، واستكماله خصائصه التي ميزه الله بها على كثير من خلقه؛ وقد حكى الله تعالى شبهتهم هذه في سورة الفرقان بقوله:(وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة)؛ وفندها ورد عليهم بقوله: (كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا، ولا