يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا). فبين أن حكمة تنجمه هي تثبيت فؤاد النبي عليه السلام في مواطن اللجاج والخصومة بينه وبين المكابرين من أعدائه، واقتصر في بيان حكمة التنجيم على هذه الحكمة لمناسبة المقام؛ فإن المشركين كانوا يظنون أن هذه الشبهة الواهية التي شنعوا بها على القرآن كافية في هدم دعائم الدعوة المحمدية، فعكس الله عليهم ظنهم وبين أن تنجيمه من أقوى العوامل في تثبيت قلبه، وتقوية شوكته، وإحكام دعوته. واقتصار القرآن على هذه الحكمة لا ينافي أن لتنجيمه حكماً أخرى يجتلي البصير نورها إذا تأمل في المناسبات التي نزل القرآن لأجلها، والغرض المنشود من إنزاله كله، والظروف التي أحاطت بالرسول والمسلمين حين نزوله، وإلى الباحث البيان:
الأول: أن نزوله منجماً كان يحسب الوقائع والحوادث التي كانت تحصل في المجتمع الإسلامي على عهد نزول التشريع والأسئلة والمقترحات التي كانت توجه من المسلمين أو غيرهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشبه التي كانت تدور في قلوب المشركين ويظهر القول بها على ألسنتهم ومما تقتضيه حالة المسلمين في أوقات السلم من تقرير عقائد الدين وشرائعه وفضائله، وقوانينه العامة التي يراد بها تنظيم المجتمع الإسلامي وتكوين أمة فتية متمتعة بكل خصائص الأمة الحية، وحالتهم في أوقات الحرب من الحث على الجهاد والغرض الذي يجب أن يقصد به، وبيان الأحكام المتعلقة به. كتقسيم الغنائم والفرد وحكم الأسارى وغير ذلك.
الثاني: أنه نزل تدريجياً ليكون أبلغ في التحدي وأظهر لإعجاز القرآن
الثالث: أنه نزل كذلك للتدريج في تربية الأمة العربية تربية دينية وخلقية واجتماعية وإعدادها لمنزلة الخلافة في الأرض ولقيامها مقام المصلح لما فسد من عقائد الأمم وما تسفل من أخلاقها وعاداتها وتقاليدها وما اختتل من أحوالها العامة ونظمها الاجتماعية
الرابع: وليسهل حفظه وفهمه والعمل به على المسلمين وامتزاجه بدمائهم حتى يصير جزءاً من نسيجهم العقلي ليمكنهم أن يضطلعوا بأعباء الدعوة المحمدية بعد رسول الله على بصيرة وهدى وأن يسيروا في هداية الأمم على نهج واضح، ولا تبعد عنهم الغايات التي ندبوا لتحقيقها في العالم الإنساني
الخامس: وليثبت الله تعالى به فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم في مواطن الخصومة: (كذلك