مجلساً عاماً وأنا بحضرته وقيل: أبو السائب في الدار، قال: يدخل. ثم أومأ إلي بأن أتقدم إليه، فتقدمت ومد يده ليسارّني فقبلتها، فمد يدي وقال ليس بيننا سر، وإنما أردت أن يدخل أبو السائب فيراك تسارّني في مثل هذا المجلس الحافل فلا يشك أنك معي في أمر من أمور الدولة فيرهبك ويحشمك ويتوفر عليك ويكرمك فإنه لا يجيء إلا بالرهبة، وهو يبغضك بزيادة عداوة كانت لأبيك، ولا يشتهي أن يكون له خلف مثلك. وأخذ يوصل معي في مثل هذا الفن من الحديث إلى أن دخل أبو السائب. فلما رآه في سرار وقف ولم يحب أن يجلس إلا بعد مشاهدة الوزير له تقرباً إليه وتلطفاً في استمالة قلبه، فإنه كان في ذلك الوقت فاسد الرأي فيه. فقال لأبي السائب يجلس قاضي القضاة، وسمعه الوزير فرفع رأسه وقال له أجلس يا سيدي، وعاد إلى سراري وقال لي: هذه أشد من تلك؛ فامض إليه في غد فسترى ما يعاملك به. وقطع السرار وقال لي ظاهراً: قم فامض بما أنفذتك فيه وعد إلي الساعة بما تعجله، فوهم أبا السائب بذاك أننا في مهم. فقمت ومضيت إلى بعض الحجر وجلست إلى أن عرفت انصراف أبي السائب فكاد يحملني على رأسه وأخذ يحادثني بضروب من المحادثة والمباسطة وكان ذلك دهراً طويلاً