عمل الاسكندر إذن على أن يوجد (المادة) التي سيطبق فيها نظامه العالمي، ثم انتقل إلى دور آخر، هو تطبيق النظام نفسه، وهنا تقابله المشكلة، فلكي يضمن تحقيق فكرته لابد أن يسيطر بنفسه على إمبراطوريته، ولكن إذا كانت هذه السيطرة الإمبراطورية مما يتفق ونظم الشرق، الذي جرب قبل ذلك نظام الإمبراطورية تحت سيطرة الفراعنة والفرس، فهي مما يتناقض تناقضاً تاماً مع نظام المدينة الذي درج عليه الهلينيون والذي قامت على أساسه الحضارة الهلينية.
وإذن فالاسكندر أمام مشكلة، إن وضع نظامه على أساس المدينة الحرة فقد ضاعت سيطرته، وضاعت بالتالي فكرته الأولى التي يرمي إليها من وراء هذه السيطرة، وهي العالمية. وإن قضى، في سبيل سيطرته، على نظام المدينة الحرة، فقد قضى على الحضارة الهلينية التي قامت هذا النظام، والتي كان يرمي قبل كل شيء إلى أن تسود (عالمه) الجديد.
فليفكر الاسكندر إذن في طريقة يسيطر بها على إمبراطوريته دون أن يقضي على الأساس الأول للحضارة، الهلينية، طريقة يجمع بها بين (ملكية) الشرق و (مدينة) الغرب.
وهنا يلجأ الاسكندر إلى خير طريق يربط بين النظم والأفكار على اختلافها وتباينها، ذلك هو الطريق الديني. ليسبغ الاسكندر على نفسه سمة دينية مقدسة، يجمع بها بين سيطرة الشرق والغرب، الذي تشغل الأفكار الدينية فيه إذ ذاك المقام الأول. . .
وهكذا يسعى الاسكندر إلى أن تكتسب سيطرته شكل الحق الإلهي، بل أكثر من ذلك أن يصبح هو نفسه إلهاً.
وهكذا نراه يحج في مصر إلى معبد آمون حيث يحصل على اعتراف من الكهنة بأنه ابن الإله (آمون)، ولآمون إذ ذاك مكانته سواء في مصر أو في العالم الإغريقي، الذي أخذ في ذلك الوقت يضعه في مصاف آلهته الكبار.
ثم تراه مرة أخرى في فارس يحيط نفسه بهالة كثيفة من الطقوس الدينية، والمراسيم التي تقدم إلى النار القريبة من عرشه، والتي تمثل فكرة الحق الإلهي للملك.
هذه محاولة للعالمية قامت في القرن الرابع قبل الميلاد، وقد قضت بقضاء صاحبها، فهل