أحد (اللاعبين) هجم بسكين المائدة على صاحب له لأنه أخذ منه آخر قرش بقي معه ولم يشأ أن يقرضه من تلك القروش شيئاً يعود به إلى عياله
ورأيت حول المائدة الممدودة أولئك الغلمان الذين يلقطون بقايا الدخائن ويترامون على ما يلقى إليهم من فتات تلك الموائد ينازع بعضهم عليها بعضاً كما تفعل الكلاب فيزيدون المنظر بذلك سوءاً وقبحاً
ومضيت أخرج من هذا الحي فلم يعد لي تلك الليلة جلد على رؤيته، فما كدت أنعطف في أول شارع حتى لقيت في المنعطف (لقاء) تكنفه الريبة، فهو يضحك مرتبكاً وهي لا تكاد تضحك حتى يطفئ الخوف والقلق ضحكها. . . ومررت بهما وأنا أسائل نفسي: أله زوجة ولها زوج؟
وكأنما تأبى المكاره إلا أن تأتي في وقت معاً! فهذا مترنح متخلج يمسك أصحابه بذراعيه مخافة أن يقع، وهو شاب بادئ الوجاهة، ولقد سقط طربوشه حينما قربت منه، ولست أدري لم قصدني أنا فالتفت إليَّ ضاحكاً وقال:(من فضلك ناولني البلغة يا أفندي)
وألفيت عند محطة الترام أنماطاً من الشباب فرادى وجماعات، ورأيت منهم من مرت بهم جميع المركبات وهم مع ذلك وقوف في أماكنهم يمدون أعينهم إلى كل مركبة في مكان معين منها. وعلام يستعجل هؤلاء العودة إلى منازلهم ولا تزال بينهم وبين امتحاناتهم شهور؟
وأراد نكد طالعي أن يكون آخر ما يقع منظاري عليه جماعة من الغلمان في إحدى الطرق ينبشون صندوق القمامة يبحثون فيه عما يقتاتون به. . . فرفعت بصري إلى أعلى وقد ضاق بالأرض وما عليها فوجدت القمر من فرجة بين بيتين عاليين، وأحسست أنه في تلك المدينة غريب مثلي. ولست أدري لماذا فسرت ابتسامته في تلك الساعة بأنها سخرية من حياة المدينة هذه ومفارقاتها؟. . . وأشد ما أمضني، أني لم أر شيئاً مما كرهت من أحد غير بني قومنا الأعزاء، على كثرة ما بين ظهرانينا من النزلاء!