غرس شجرتها في كلية العلوم فتغلغلت جذورها وامتدت أعوادها وانتشرت ظلالها فنهضت حتى وصلت إلى مكانها المرموق في الأوساط العلمية بما أفاض عليها من عبقريته وسعة إطلاعه وخصب ثقافته والتي لم يرض - طيب الله ثراه - أن يكون لأحد عليها من سلطان سوى التقاليد الجامعية الحرة مما زاد فيها مشعل العلم تألقاً وتوهجاً وجعل هذه التقاليد النبراس المضيء والشعلة الوهاجة؛ وبذلك أنشأ جيلا من غرس يديه لا يمكن أن يثبط أحد من همته وعزيمته أو يثنيه عن حماسته وبغيته لأنه قد أتخذ قدوة له.
واستطعت أن أرى مجهوده في الحركة العلمية التي بناها على أكتافه وتعهد مراحل تطورها مرحلة بعد مرحلة ورفع اسمها فيها وراء البحار بما بث فيها من روح البحث الصحيح وبذلك أنشأ مدرسة في البحث العلمي العميق يرجع إليها الفضل في شق الطريق لإيجاد طبقة فريدة من العلماء ورجال الفكر الممتازين لأنه بناها على أساس من الدأب والجد والاستقامة وشيدها بوسائله المنتجة المثمرة فسارت على السنن القويمة ونهجت المنتهج الكريم فوسائلها مقصورة على صحة الحجة وسلامة البرهان ووضوح الدليل وبذلك أحدثت هزات عنيفة في المجتمع العلمي من الحيوية والنشاط وأصبحت كالنور الذي يشق حجب الظلمات.
ومن كلماته المأثورة التي تعتبر دستوراً للتقاليد الجامعية قوله - رحمه الله - (إني لا أطلب من القادة والحكام في مصر سوى ترك الجامعة تؤدي رسالتها السامية بعيدة عن الميول السياسية وترك الطلبة لإتمام دراستهم في هدوء واستقرار).
وقوله (إن أفضل الزعماء والكبراء عندي هو من يؤدي للجامعة مساعدة ويشد أزر العلم ويعادون العلماء على أداء رسالاتهم في هدوء ويحفظ لهم كرامتهم واستقلالهم) وتلك مبادئ سامية نورها في عهدنا الجديد.
وترن الآن في أدنى بعض ما أورده بعض أعلام الفكر والرأي في جنبات قاعة الاحتفالات الكبرى بالجامعة في حفلة تأبينه فأستعيد منها قول أستاذي الجليل الدكتور طه حسين أطال الله بقاءه (فارقنا مشرفة فلم نمتحن فيما كان قلوبنا تضمر من ود وحب، ولم نمتحن فيما كان نستمتع به من زمالة وإخاء فحسب، ولكن مصر كلها امتحنت في الآفاق، وشر المحن هو هذه المحن التي لا سبيل إلى تعويضها ولا إلى العزاء عنها، فأمثال مشرفة من النابغين