للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نظراته المحرقة إلى أبي الفرات وهو يتملل في مكانه ممتقع الوجه منقبض الأسارير!

ثم التفت المقتدر إلى القاضي أبي عمر فسأله: ما عندك في ذلك يا أبا عمر؟! فقال في غير روية: لقد أتى ابن الفرات أمراً تخر له الجبال، وللخليفة - أيده الله - أن ينزل به ما شاء من العقاب!. .

فتألق وجه الوزير بالبشر وظن أن المحاكمة ستنتهي على ما يريده من البطش بصاحبه، وجعل يرنح عطفه في نشوة الظافر المنتصر ولكنه رأى الخليفة يتجه إلى بن أسحق فسأله: وما عندك في ذلك يا أبا جعفر؟ فيقول القاضي: لا بد من مناقشة الجندي، فهل يأذن الخليفة بذلك؟ فيجيبه إلى طلبة، ثم تدو هذه الأسئلة بين القاضي والجندي.

القاضي - تدعي أنك رسول ابن الفرات ابن أبي الساج في أردبيل؟

الجندي - نعم رأيتها ودخلها عدة مرات.

- صف لي أردبيل، أعليها سور أم لا؟

فسكت الجندي.

قال القاضي: وما صفة باب الإمارة الذي دخلت منه؟ أحديد أم خشب؟

فسكت الجندي أيضاً.

قال القاضي: ومن هو كاتب ابن أبي الساج الذي ذهبت إليه؟ ما اسمه؟ ما كنيته؟ ما لقبه؟

فبهت الجندي، ولم يرد بشيء.

قال القاضي: وأين الكتب التي كانت معك من أبن أبي الساج لابن الفرات؟

فقال الجندي متلجلجاً مضطرباً: رميتها في البحر حين وقعت في أيدي الجنود.

فاتجه القاضي إلى الخليفة وقال: يا أمير المؤمنين، إن الله عز وجل يقول: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)، وقد صح عندي أن هذا الجندي جاهل متكسب مدسوس على ابن الفرات.

فقال علي بن عيسى في حماسة مشتعلة: قد قلت ذلك مراراً للوزير حامد بن العباس فلم يقبل قولي، وأرى أن يهدد هذا الجندي بالضرب حتى يقر بالواقع الصريح!

أمر الخليفة بإحضار من يضرب الجندي في المجلس، فما كان السوط يلهب جسمه حتى صار: كذبتُ وغدرت، وضمنت لي الضمانات. والله ما رأيت أردبيل، ولا حملت كتباً إليها

<<  <  ج:
ص:  >  >>