وهنا أمر الخليفة بحبس الجندي وتعذيبه. وكاد يغشي على الوزير المختلق من الهم والانكسار، وانتصر الحق على الباطل بصرامة القاضي النزيه أبى جعفر أحمد بن إسحاق البهلول!
- ٣ -
كرت الأعوام تلو الأعوام، فتغير الخليفة المقتدر على وزيره حامد بن العباس فأقاله من منصبه مخفوراً، وأسند الوزارة إلى المتهم السابق أبي الحسن بن الفرات، وتلك الأيام نداولها بين الناس.
ولقد سعى الوزير الجديد - لأول عهده بالرئاسة - إلى قتل غريمه السابق فشفى لواعج صدره، واستراح من ناحيته، ثم دار بذهنه فيمن حوله من المقربين لدى الخليفة، فرأى أن الوزير الأسبق علي بن عيسى لا يزال متمتعاً بالحياة، وقد يتم صفاؤه مع الخليفة في وقت من الأوقات فيعيده إلى الحكم رامياً يأبى الحسن إلى غياهب السجن، ومن ثم أخذ الوزير يدبر لعلي مكيدة تردبه مع أنه كان من أنصاره المتحمسين يوم حوكم في التهمة الخطيرة، ولكن يالضيعة الوفاء!
رأى ابن الفرات - لانحطاط نفسه - أن يقتدي بسلفه السابق في الاختلاق والوقيعة، فاتجه إلى الخليفة المقتدر وأفهمه أن علي بن عيسى على اتصال بالقرامطة أعداء الدولة، وقد أرسل لهم في مدة وزارته بعض المواد الحربية التي يحظر إرسالها إلى العدو كما أنه لا يعترف بتفكيرهم وخروجهم عن مبادئ الإسلام!
أهتم الخليفة بالوقيعة، وأصدر أمره بمحاكمة علي، على أن يسمع بأذنه ما يدور المحاكمة من وراء حجاب، وقد تم الأمر في أسرع من البرق وشكلت لجنة المحاكمة برئاسة الوزير، وحضر القاضيان السابقان في المحاكمة الأولى: أبو عمر محمد بن يوسف وأبو جعفر أحمد بن إسحاق البهلول.
أفتتح الرئيس الجلسة، وسيق علي بن عيسى إلى المحاكمة وبدأ الوزير فأسرع بإحضار رجل يدعى (ابن قليجة) وأذن له في الكلام فقال:
لقد أرسلني علي بن عيسى إلى القرامطة مبتدئاً، فكاتبوه يلتمسون منه المساحي والطلق