للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مستوفز نزعات الإحساس، متعدد آفاق النفس؛ يستقبل الحياة بذخيرة من أحلام المجد والسعادة فتستقبله بطعنة نجلاء من طعنات المحنة والبلاء. فلا جرم ينطوي المازني على نفسه يعاقر الألم ويستمرئ الحرمان، صادفا عن الدنيا والناس ومناعم الحياة. ولقد ظل سنوات يجاهد العقدة النفسية التي طرأت عليه من هذا العرج ويعالجها بالتهوين والتخفيف، ولكن الحادثة كانت لا تفتأ تعاوده بذكراها الأليمة أو ذكراها المتجددة وهي بضعة منه لا تفارقه، فلا يفيد معها التهوين والتخفيف.

ثم كان مدى تلك التجربة، أو تلك المحنة، بعد أن وضعت الحرب أوزارها، حين عن له أن يترك التعليم ويلقي بنفسه إلى معترك الصحافة.

أغلق المدرسة التي كان يديرها، قبل أن تتصل أسبابه بالعمل الدائم في الصحف، وجاءت حوادث الثورة الوطنية وما قام في أعقابها من الاضطراب وعدم الاستقرار فتركته فترة بغير عمل. وكانت النيراستينيا كأحد ما تكون. وأحس أنه خليق أن يفقد أعصابه وتلح عليه وطأة المرض إذ لم يركن إلى الراحة والاستجمام ومجانبة التفكير، فسافر إلى الإسكندرية، وفي مأموله أن يوفق بعد ذلك إلى عمل هناك.

ويقول المازني (لم أكد أستقر في الإسكندرية حتى شعرت بحمى عصبية، ثم اتفق أن وجدت مع صديق لي رواية روسية مترجمة إلى الإنجليزية فسألته عنها فأثنى عليها، ولم أكن قد سمعت قبل ذلك باسم المؤلف فاشتقت أن أقرأها واستعرتها منه. وكانت وصية الأطباء لي ألا أكد خاطري أو أتعب رأسي بالقراءة أو الكتابة.

(قرأت هذه الرواية فلم أكد أفرغ منها حتى رأيتني قد انقلبت مخلوقا آخر: أعدتني روح بطلها بقوتها وبجرأتها على الحياة، وبالبساطة في مواجهة ما يقع له فيها، وباستقامة النظرة وسداد الاتجاه، فشفيت واستغنيت عن الأطباء والعقاقير، وما لبث أن كررت إلى ميدان العمل وبي من النشاط والثقة ما يكفي فيلقى بأسره).

تلك هي قصة سانين لمؤلفها الروسي ميخائيل أرتزيباشيف. وقد نقلها المازني إلى العربية ونشرها باسم (ابن الطبيعة) (١٩٢٢) أداء لما لها من دين عليه.

ومن قراءات المازني في الأدب الروسي في ذلك الحين إلى جانب سانين، قصة إيفان تورجنيف المشهورة (الآباء وهي من أندر القصص في بابها وأصدقها تصوير للطبيعة

<<  <  ج:
ص:  >  >>