بها ويتفانون في الدفاع عنها، لأنهم يرون فيها قوام وجودهم وصلاح حياتهم، وهو بعض ما من أجله أعزها الله ومكن لها تمكيناً، فجعلها فطرة النفس وصبغة الخلق وحقيقة التوحيد.
فهل سمع بهذا أو عرفه من قبل أولئك الذين يكثرون من تصنع الغيرة على الحرية والدفاع عنها، ليبرروا بها كل مخزاة، ويدرعوا بها عند كل طغيان؟!
هل علم هؤلاء - وهم لا يقفون الحرية إلا حيث تناوئ الدين والخلق وتقاليد الإسلام - أنهم بهذا يسيئون إليها ولا يحسنون، ويهدمونها من حيث لا يشعرون؟!
إن علماء الدين - يا قوم - لا يمكن أن يكونوا أعداء الحرية، لأن الحرية من صميم الدين، ولكنهم أعداء الفوضى وأول هادميها، وهذا واجبهم الذي لن يتخلوا عنه مهما لاقوا في سبيله من أذى واعتداء.
الرياء الاجتماعي
طالما وصف الدكتور زكي مبارك مخالفيه في الرأي بهذا الوصف، وعلى الأخص أثناء مناقضتهم إياه في مسألة الأغنياء والفقراء، وأسباب الفقر وأسباب الغنى، مع أنهم كانوا يستمسكون بحق معروف لم نر لهم فيه مخالفاً من القراء، وكان هو يدافع عن شاذ من الرأي لم يوافقه عليه أحد؛ وقد ظل سادراً حتى أرسل إليه القراء يخيرونه بين اختفائه من الميدان الأدبي، أو سكوته عن هذا الباطل؟ فهل يسمح الدكتور أن نستعير منه هذا الوصف لنصف به تصنعه الدفاع عن مصر والإشفاق عليها من تلك النصيحة المخلصة التي أسداها فضيلة الأستاذ الشيخ دراز مفتش الوعظ إلى الأمة والحكومة في مجلس النواب؟! إننا لا نجد وصفاً أصدق منه لموقفك هذا يا دكتور. أيكون الأستاذ دراز متحاملاً على مصر وطاعناً فيها، ومقرراً غير الحق حين يقول بلسان العالم المصلح والنائب الغيور، ناصحاً أمته داعياً إلى الإصلاح فيها:(أصبحت هذه البلاد لا هي بالبلاد الدينية، ولا هي بالبلاد اللادينية، ولا هي بالبلد الشرقي، ولا هي بالبلد الغربي؛ وذلك ظاهر في كل مظاهرها، ليس في الزي فقط، ولكن في الثقافة والخلق وكل ما يتصل بحياتنا الخلقية والاجتماعية) - ولا يكون الدكتور مرائياً في موقفه حين يرد هذا القول ويماري في الواقع الذي يشهد له ويؤيده، ويقر الباطل والفساد في الأمة، متظاهراً بالدفاع المريب عنها، والإشفاق المصطنع على سمعتها الدينية والأدبية؟