للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التسرية وإزجاء الفراغ، وإنما كان هدفها اللذة الفنية والمتعة الروحية، والرغبة في صقل الملكة القاصة بهذه الدروس التي تتلقاها على أيدي الأساتذة من حين إلى حين. وكان أساتذتها هم هؤلاء الذين تقرأ لهم. وتأخذ عنهم، وتقضي معهم أكثر وقتها مفتوحة العينين والقلب والذهن. وكانت في ترددها على هذا وذاك من أقطاب القصة في أدب العالم، أشبه بالنحلة التي تقع على كل زهرة وترشف من كل رحيق. لتمد خلية الفن بأشهى الألوان من كل طعم ومذاق!

عشرون عاما قضتها الكاتبة الأمريكية في القراءة والاطلاع والدرس. ومن وراء هذا كله ذوق مرهف بلهب الحواس فتتوهج، وحياة عريضة تحرك المشاعر فتنبض، وموهبة فطرية تنتظر الوقود لتحمل المشعل وتنير الطريق. لقد أصاخت مرجريت ميتشل لصوت الفن ممتزجا بصوت الحياة، حتى لقد شغلها الصوتان عن أن تستجيب لصوت آخر هو صوت الزوج. الزوج الذي كان يصرخ في أرجاء البيت مطالباً زوجته بأن ترعى حقوق الزوجية فيذهب صراخه مع الريح! وحقوق الزوجية في رأي الزوج (الأمريكي) هو أن الوقت الذي ينفق في طهو طعامه وكي ملابسه وتنظيف بيته، أجدى على المجتمع من هذا الوقت الذي يضيع في قراءة القصص ومصاحبة كاتب من أمثال بلزاك. . . وكم هتف الزوج وقد نفذ صبره: يا عزيزتي مرجريت، متى يقع الطلاق بينك وبين زوجك الآخر؟! وترفع الذكية النابغة رأسها عن الكتاب الذي بين يديها وتقول له: آه. . . أتقصد أو نوريه دي بلزاك؟ سأطلقه عند ما آخذ كل ما عنده واشعر بأنني لست محتاجة إليه!!!

وجاء اليوم الذي كان يحلم به الزوج، وخرجت إلى حيز الوجود (ذهب مع الريح). . . أول نفحة من نفحات الكاتب الفرنسي العظيم، أستاذ مرجريت الذي درست فن القصة على يديه، وأستاذ الأساتذة في فنه بلا جدال!

وسألني الصديق بعد أن أستمع في إعجاب بالغ إلى قصة القصة: وماذا أخذت مرجريت من بلزاك؟ فقلت مؤكداً للواقع ومصححاً للسؤال: الحق أنها لم تأخذ منه وإنما أخذت عنه. . . ولهذا يجب أن تكون صيغة السؤال: ماذا أخذت مرجريت عن بلزاك؟ والجواب يا صديقي أنها أخذت عنه كيف تكتب القصة الطويلة بما فيها من رحابة الأفق وامتداد الطاقة وسلامة التصميم. لقد كان بلزاك دارس نفسيات من الطراز الأول، حتى لتستحيل النفس

<<  <  ج:
ص:  >  >>