للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإنسانية تحت لمسات ريشته إلى غرفة مفتحة النوافذ والأبواب وكان راسم شخصيات لا نظير له، حتى لتطالعك النماذج البشرية في ساحة عرضه الفني كما تطالعك في ساحة العرض الكبرى وأعني بها الحياة. . . وكان يسخر الحوادث والشخوص لإبراز فكرته العامة التي ينسج خيوطها العرض والحوار، فإذا هذه الفكرة منشورة الجناحين على حدود القصة تمتد ظلالها من البداية إلى النهاية. . . وكان في التزامه لعنصر الواقعية الفنية مثلا أعلى للمراقبة الحسية والنفسية، حين تعملان في خط اتجاه فكري واحد ينتظم كل ماعداه من خطوط. . . وهكذا كانت مرجريت ميتشل!

أخذت عنه هذا كله، ومن العجيب أنها في اقتباسها من مواهبه واغترافها من مزاياه، تلتقي معه في ناحية نقص واحدة هي كل ما وقف عنده النقاد. هذا النقص الوحيد الذي يأخذه النقد على بلزاك ويأخذه على مرجريت، هو عدم التناسب بين طاقتين: طاقة التصوير وطاقة التعبير. أعني أن الأداء التعبيري عند الكاتب الفرنسي والكاتبة الأمريكية لا يرضي المثاليين من عشاق الأساليب، أولئك الذين ينشدون ضخامة اللفظ وفخامة العبارة. ولقد كان أسلوب بلزاك كما وصفه الناقد الإنجليزي الكبير إليوت، أشبه بأسلوب الكتاب الصحفيين!

معايير القيم في الصحافة الأدبية

ألم تقع في يدك مرة هذه المجلة الأدبية التي تصدر كل شهر في أحد الأقطار العربية الشقيقة؟ ألم تعجب إذ لا تجد فيها غير الغث والتافه من ذلك الأدب الذي لا يفهم، والذي يصر أصحابه على تسميته بالأدب الرمزي؟ لاشك في ذلك، بيد أن هناك في الصفحات الأخيرة زاوية خاصة، لو بحثت عنها لوجدتها تعلن أسماء أنصار المجلة خلال تاريخ معين، كما أنها تذكر أرقام المبالغ التي تلقتها من هؤلاء الأنصار تاركة قناع الحياء وهي تستجدي الليرات من أصحاب الأقلام، أو بالأحرى تبيعهم النشر بالمال! فما من أسم يذكر في هذه القائمة إلا وكانت له في المجلة قطع أدبية من هذه القطع الأدبية التي لا تفهم ولا تهضم. . .

أعرف قارئا في العراق أرسل إلى هذه المجلة قيمة الاشتراك السنوي فقط، فإذا برسالة تأتيه بخط صاحبها يبدي فيها شكره الجزيل، ويرحب به وبأدبه وبقلمه. . . في حين لم يكن له - ويشهد الله - أدب ولا قلم! ليس من شك في أن هذا الرجل قد جعله (الإدمان)

<<  <  ج:
ص:  >  >>