للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الركة في الاسلوب، والتعقيد في الألفاظ، والتكلف في العبارات، وأحل لها المرونة المتقنة، والعذوبة الممتعة. وليس من البالغة في شيء إذا قلنا: إن موضوعات الرسالة سواء أكانت في الأدب أم في التاريخ أم في الدين أم في السياسة أم في الفن أم في غير هذه، هي من الموضوعات القيمة المقدرة لأن لها مستوى يجب أن يظل عاليا لا يرقى إليه ولا يعلى فوقه. ولذلك فهي لا تتسع إلا للموضوعات الحية القوية في أسلوبها، وفي مادتها، وفي أدلتها وبراهينها.

وحين نقول: أن للرسالة اتجاها خاصا هو تشييد حصن حصين للرأي الحر، فإنا نعتبرها الوحيدة في الصحف والمجلات المميزة بهذا الاتجاه الخطير الدقيق. تفتح مهمته آمنا من جمود المتزمتين، وسفه المتنطعين، وثرثرة الفارغين، وجعجعة المتخلفين، وصلف المكابرين. فالرسالة لا تجد غضاضة في أن ينقد على صفحاتها أبرز كتابها، ولو كان صاحبها، وأن يناقش أكبر الناس، ولو كان ممن بلغوا أسمى مكانة في العلم والأدب، لأن الجميع في ميدانها سواسية كأسنان المشط، لا فرق بين كبيرهم وصغيرهم، ورئيسهم ومرؤسهم، إلا بقدر ما يصيب كل منهم من التوفيق والسداد، وبقدر ما يقدم كل منهم من قوى الحجة وساطع البرهان.

أول عهدي بالرسالة كتلميذ لها كان منذ أن عرفت الطريق إلى الصحف، فاتخذتها كمرجع ملم له قدره منزلته. أنهل من معينه كلما شئت، وأتناول منه غذاء فكريا كلما أحتجت، ويحتل من نفسي المكانة الأولى معتزا به اعتزازي بأغلى كنز في عالم الأدب. وأول عهدي بالرسالة ككاتب متواضع من كتابها كان منذ أعوام قلائل، يوم أن كتبت لها منتقدا رأيا في التفسير للإمام محمد عبده، وأنا واثق من أن الإقدام على نقد أمثال الإمام محمد عبده ليس بالشيء الهين اليسير، ولكن ثقتي بالرسالة واعتزازها بالرأي الحر شجعني على الإقدام من غير توان أو تباطؤ، ولم يكد يمضي أسبوع واحد حتى نشرت كلمتي ونشر رد بعدها الأستاذ جليل، وبذلك ازددت إيمانا بأن الأدب والعلم بخير في مصر والشرق، ما دامت الرسالة باقية تتلألأ طلعتها ويشرق نورها.

إن ثمة خاصة من خصائص الرسالة اختصت بها وحدها فهي المجلة الوحيدة التي تعبأ بالموضوعات، وبذلك أدت خدمة جليلة للأدب والعلم حيث قدمت إليهما أعلاما مبرزين

<<  <  ج:
ص:  >  >>