- لقد أدخلتنا إلى بيوت أنفسنا. وفي نفوسنا مجال لمنظر لا ينتهي التطلع إليه مدى الحياة. .
فإذا بدأت كلامي على إيثاري لفلسفة التجريب أعجبت لخواتم المؤلف في كتابه حين ورد كلامه على العداوة والمودة فلم يقع في نقص القادرين على التمام؛ وأعان ببراءته على ردنا إلى نفوسنا - وقد تركناها - وكان له أسلوب المحدث المتبسط، وقلم الكاتب المترسل. وحين انتهت من قراءة كتابه ذكرت من أجله معجزة القرآن الكريم في آيته النفيسة التي يقول فيها:(وفي أنفسكم أفلا تبصرون).
القاهرة
زكي المحاسني
الهوامل والشوامل
لأبي حيان التوحيدي
تحقيق الدكتور أحمد أمين بك والأستاذ السيد صقر
من الشخصيات التي أضافت إلى تراثنا الأدبي والفكري ثروة يعتز بها تاريخنا الأدبي؛ والفكري - أبو حيان التوحيدي - فقد رزقت هذه الشخصية من القدرة في الأداء الفني الجميل. والتحليل النفسي العميق وإبداع، آيات فنية لا تزال ترف نضارة على تتابع العصور. لقد وثب فن الأسلوب عل يدي - التوحيدي - وثبة لم يستطعها غيره من كتاب النثر الفني القديم، وبلغ أسلوبه من الصفاء والعمق ما ممكن له من أن يحتل الذروة بين أصحاب الأساليب. ولكن هذه العبقرية قد قست عليها الأقدار فأستهدف صاحبها في حياته بألوان قاسية من البلاء الذي أصابه في رزقه وفي مكانته، ولاحق تراثه بعد خلا وجه الحياة منه فأحال بينه وبين الحياة. وظل هذا التراث يعاني مرارة الإهمال؛ وظلم التشويه هذا الأمد الطويل؛ فإذا ما رزق - أبو حيان - من ينقذ آثاره؛ ويخلصها من بطش الظلم؛ وبراثن الموت؛ وينفض عنها غبار القبر؛ فقد رد للحياة الجانب الخالد من شخصية الرجل