يتفجر في سرائرنا، الإحساس بالحياة الواسعة، وبواجباتنا وحقوقنا نحوها ونحو الوجود بكل آزاله وآباده، وتتأجج في صدورنا الغيرة الصادقة على أداء هذه الواجبات وطلب هذه الحقوق، فينطلق كل من تمسه تلك النفحة من أنانيته الضيقة التي لا مصدر لها إلا عدم الإحساس بالحياة وواجباتها وحقوقها، والتي تجعله يشعر بأنه خليع من المجتمع، مبتور من بنيته، بعيد عنه فيما يصيبه من خير وشر، لا هم له منه إلا ذاته الفردة الجافة، ويشعر من أجل ذلك بتفاهة نفسه، وتفاهة مجتمعه، وتفاهة الحياة كلها، كما أنه يشعر بالحرمان والانقباض والقلق والخوف من كل ما حوله وكل من حوله، ويسيء الظن بكل شيء يتعامل معه أو لا يتعامل، بسبب ودون ما سبب، ولا يرى فيما يحيط به، ومن يحيطون به، إلا عدوا مبينا يكيد له، ويتربص به الشر، فأيان أنس منه غرة أعجله بالأذى، ومن ثم لا يكون له من نشاط في الحياة إلا ما يحمي به نفيه، ويحتجن كل قوة تحميه، ولو جنى في سبيل ذلك أعظم الشرور
وما من دافع له إلى ذلك إلا إحساسه بأنه ملعون من الثقة بنفسه وبمن حوله وما حوله، فهو يتمثل اللعنة أيان ولى وجهه , ويتوقى لذلك كل شيء ويهرب من كل شيء، مع أنه لا مكان للعنة التي يتوهمها إلا في سريرته
هذه الأنانية الضيقة التي لا أصل لها إلا البلادة - هي أقوى سد يحول بين الإنسان والإحساس بالواجب ورؤيته، فضلا عن التماسه والكدح في البحث عنه ولو كان عند طرف أنفه، ويحول بينه وبين التفكير في أدائه وتهيئة الوسائل المؤدية إليه، فضلا عن أدائه فعلا ولو كان أداؤه من أيسر الميسورات
وما من قوة تصهر هذا السد العائق وتبخره كما بفعل صحبة العبقري الصالح الزعيم بشخصيته المحبوبة وأعماله الطيبة، وبخاصة إذا كان نبيا أو على شاكلة النبي في شخصيته وسيرته الأمينة، ولا تستثنى من ذلك قوة على الأرض لها مثل هذا الأثر السحري في سريرة الإنسان إلا قوة (الحب). . . والولاء للعبقري الزعيم نوع من (الحب)
من أجل ذلك استأثر العباقرة الزعماء ولا سيما الأنبياء بالهداية والتقويم، واستأثروا بما هو أعمق وأقوى من ذلك وهو انبعاث الإحساس بالحياة والواجب في النفوس المهيأة له كي تطلب الهداية والتقويم