وما من مبدأ من المبادئ، ولا معتقد من المعتقدات، ولا فكرة من الفكر، له هذا الأثر أو ما هو دونه قوة إلا أن يكون متمثلا متجسما في شخص عبقري زعيم. وأيان لا يكن هذا الشخص الذي يتأسى به الناس فكل المبادئ والعقائد والفكر كلمات عقيمة بتراء
يقول الناس كثيرا ما يقوله الشاعر
اعمل بقولي ولا تنظر إلى عملي ... ينفعك قولي ولا يضررك تقصيري
وليت هذا كان في الإمكان! إذن لكانت الفضيلة والمعرفة والجمال أعز شأنا، وأكثر جندا، بل لما كان على ظهر هذه الغبراء شرير ولا جاهل ولا قبيح، إذ ما أيسر النصيحة وأيسر فهمها على الناس ولو كانوا أغبى المخلوقات
ولكن الآفة كل الآفة بلادة السريرة التي ينشأ عنها عدم الإحساس بالحياة والواجب
والناموس الذي لا فكاك لنا منه أن العملة التي نتعامل بها هي الأعمال لا الأقوال، والأشخاص لا المبادئ
(اعمل بقولي ولا تنظر إلى عملي. . .) كلام عقيم أبتر، وعملة زائفة لا يثق بها الناس، وإن تظاهروا بقبولها نفاقا، والنفاق هو البضاعة الزائفة التي يبيعها الناس لمن يدفع لهم الأقوال دون الأعمال؛ ولا فبن في الصفقة على البائع ولا المشتري ما دامت البضاعة زائفة وأثمانها زائفة، فكل منهما خادع ومخدوع
وقديما قرر النبي محمد عليه السلام أن (الدين المعاملة) وقال (إن الله لا ينظر إلى صوركم وألوانكم ومكنه ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) فالنية والعمل هما العملة الصحيحة عند الله وعند الناس أيضا
ومن هنا يظهر لنا الخطأ والخطر الذي يقع فيه عن عمد أو غير عمد رجال المبادئ الدينية والسياسية ومن على شاكلتهم حين ينصحون الناس برأي ويعملون هم بغيره، فلا تكون سيرهم مصداق مبادئهم، ثم يعجبون بعد ذلك كيف لا يثق الناس بهم ولا يدينون بمبادئهم، ولا يعملون بها ولو كانوا بها مؤمنين
ولو كان رجال المبادئ هؤلاء جادين في عجبهم لكانوا أشد عجبا من أن يلقاهم الناس بغير الإهمال والمعصية، فلا آفة أخطر على منزلة المبادئ ودعاتها في قلوب الناس كأن يروا هؤلاء الدعاة يقولون ما لا يفعلون. وقد وضح القرآن هذه الحقيقة المرة فقال: (كبر مقتا