عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) وقال:(أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)
إن الطعن في الديانات ونحوها من المبادئ ومحاولة التشكيك فيها لا ينال منها معشار ما ينال منها نفاق المبشرين بها. إن الطعن في المبادئ قد يوتر إيمان المؤمنين بها ويزيدهم إيمانا، ولكن نفاق الدعاة هو الذي يحل عقدة الإيمان بها في قلوب معتنقيها ويفسدها إفسادا، وتغري النفوس بعداوتها والكفر بها والتمرد عليها تحديا لنفاق دعاتها الذين يأمرون الناس بها وينسون أنفسهم وهذا هو البلاء العظيم
إن شر ما يسلط على مبدأ من عوامل الهدم هو أن يشتد تبشير حماته به بين الناس، بينما هؤلاء الحماة لا يسيرون عليه في نظر الناس. ولعل هذا يفتح عيون المنافقين من دعاة المبادئ والمثل العليا بيننا، فهم بمخالفتهم في سيرهم أقوالهم يشككون الناس فيها ويغرونهم أن يكفروا بها بشر مما ينال منها أعداؤها الذين هم بها كافرون، وعلى حربها قائمون
إن منافقا واحدا من رجال الدين أضر على دينه من ألف ملحد جبار. وإنه ليزعزع من مكانة الدين في ضمائرهم بنفاقه مالا يزعزع ألوف البراهين العقلية على بطلان الدين
وأن خيانة واحدة من زعيم سياسي أو وطني أو حاكم ممن يمثلون مبدأ أو نظاما في المجتمع ليشكك الناس في مبدئه أو نظامه ويزلزل من ثقة الناس به مالا تشكك وتزلزل منه ألوف الخيانات من غيرهم، ولا ألوف الأدلة العقلية ضد هذا المبدأ أو هذا النظام
لا بل تساهل واحد - فضلا عن خيانة واحدة - من جانب أحد القوامين على القانون - وهم ممثلوه في نظر الناس - يحمل الناس على الاستخفاف به والتمرد عليه وتحديه أكثر مما تحملهم عليه ألوف الجرائم يرتكبها من ليسوا من حماة هذا القانون وممثليه، وأكثر مما تحملهم عليه ألوف نقط الضعف فيه وجرائر الظلم في تطبيقه، لأن البراهين العقلية أضعف وسائل الإقناع وأضيعها عند البشر
وإن زلة واحدة من أب أو أم أو أخ أكبر، أو راع ما في رعيته - لتغري هذه الرعية بالزلل ما لا تغريها ألوف الزلات ممن ليسوا آبائهم ولا أمهاتهم ولا رعاتهم بأي صورة من صور الرعاية، وتجعل كل النصائح والإرشادات والديانات والقوانين ومكارم الأخلاق ضروبا من العبث الفارغ جديرة بالسخرية والتحدي لا بالطاعة والتوفير