ومن أبيات القصيدة التي لا تصدر إلا عن طبيعة فنية قوله:
والحق أخفى ما يكون مجردا ... وتراه أوضح ما يكون مدرعا
بعد أن تنظر إلى التركيب من حيث تأديته للمعنى التأدية العادية، قف عند كلمة (أوضح) فهي بعد أن تعبر عن وضوح الحق والانصياع له إذا كانت تلابسه القوة، تومئ إيماءة لطيفة إلى وضوح الحق ملبساً بالدروع الملتمعة
وقوله معبراً عن زوال ملك فارس والروم بالفتح الإسلامي:
من لم تزعزعه العواصف قبلها ... بعثت له بنسيمها فتزعزعا
فقد صور الشاعر روح الشريعة السمحة وما تشمله من لطف ورقة بالنسيم، ولكنه أوضح أن النسيم الإسلامي كان قوياً في لطفه ورقته قوة زعزعت ما تقاصرت عنه عاتية العواصف
والأستاذ الأسمر يسوق المعاني في الألفاظ، فتطربك من ذلك وحدة مركبة، وهذا قوله في مطلع القصيدة:
فجر أطل على الوجود فأطلعا ... شمسين شمس سنا وشمس هدى معا
ظلت مطالع كل شمس لا ترى ... من بعده شيئاً كمكة موضعا
قبس من الرحمن لاح فلم يدع ... لألاؤه فوق البسيطة موضعا
فليس من الميسور الفصل بين جمال هذه المعاني وجمال قوالبها
ومن الغريب أن القصيدة مع تجاوز معظمها أصل الموضوع وهو ميلاد الرسول قد جاءت وحدة منسجمة، فقد تخلص الشاعر - بعد نحو ثلث القصيدة - من القول في ميلاد الرسول إلى الإفاضة في الدعوة الإسلامية ومدح الرسول: فذلك الخير الذي أصاب الناس بميلاده، والسنا الذي أزاح الله به الظلمات قد
وافى وليل الجاهلية مطبق ... فإنجاب عن جنباتها وتقشعا
ومن هنا ينقطع الحديث عن الميلاد الذي هو موضوع القصيدة، ويشغل معظمها مدح الرسول والإشادة بدعوته؛ ولكن ما غاية الميلاد؟ أليست وجود هذا الرسول العظيم، وأثر دعوته للناس إلى الهدى؟ قد يقال هذا، وقد تكون عليه مسحة من الوجاهة، ولكن كان ينبغي أن يكون أكثر القصيدة في أصل الموضوع. ولن يخدعنا الشاعر عن ذلك بصنعته في جمع