للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الستار ليرى النمل، فلشد ما كانت دهشته حين وجد أن ما قد أقامه النمل وتعب في تنظيمه قد دك دكاً، وأن البيت الجديد قد هدمت قواعده فتطرق إلى ذهنه أنه لظروف ما غير ملائمة قد مات النمل ففتح الصندوق ولكن كانت دهشته أعظم حين لم يعثر على نملة واحدة أو بيضة واحدة رغم ما قد اتخذه من احتياطات تكفل له عدم هروب النمل فعاد إلى الكوم الصغير ثانية، فوجد أنه قد أعيد بناؤه ولو أنه لم يبلغ في ارتفاعه ما كان عليه أولاً، فأخذ منه كمية أخرى، وزيادة في الاحتياط طلى ظهر أغلب النمل المأخوذ بلون أحمر ونقله إلى الصندوق فبدأ النمل يعيد سيرته الأولى في البناء والتنظيم ليومين متتالين، إلى أن كل الصباح الثالث فوجد كما وجد في مثيله. البيت تهدم والنمل لا أثر له وكذا البيض، فعاد إلى الكوم الصغير فتملكه العجب أن وجد هناك النمل المطلي على ظهره قد عاد أغلبه إليه؟ أما الباقي فربما كان قد وصل إلى الكوم ثم خرج يبحث عن غذاء، أو قد علك في الطريق، أو لم يصل بعد إلى الكوم، ووجد بعد بحث دقيق بعدسة مكبرة أن النمل قد أحدث ثغرة دقيقة في النسيج الشفاف الذي يقوم مقام السطح العلوي للصندوق ومنها هرب

ولكن كيف اهتدى النمل إلى بيته الأول مع أنه يبعد ثمانين ياردة عن الصندوق وقد حمل حملاً في دلو حين نقل إليه؟ وكذلك ما الذي جعله على عزم أكيد للعودة إلى بيته الطبيعي؟ ففي مرتين يهرب، وكذلك لم حمل البيض معه؟ وإذا كان النمل قد عزم على العودة، فلم كان يشقى كل مرة ويجد في بناء البيت الجديد ثم يهجره بعد بنائه؟ أغلب الظن أن النمل لم يفكر في مثل هذه الأمور، ولكنها الغرائز هي التي دفعته إلى تنظيم موطنه الجديد، وهي التي دفعته إلى الحنين إلى بيته الأول، وهي التي دفعته إلى حمل البيض حفظاً على النوع

ويعيش النمل في جماعات تتكاتف أفرادها في عمل ما ينفعهم كبناء بيت، أو الحصول على زاد وتخزينه، كما تتكاتف في دفع الضر كمهاجمة عدو، فتشتبك الجماعات في معركة يستعر أوارها بسبب القوت غالباً، إذ تتنافس جماعتان في الحصول عليه، فتشتبكان في الملحمة، ومن انتهت رأيت مكان الموقعة، وقد تناثرت عليه أشلاء القتلى، فمن أرجل مبتورة إلى رؤوس مقطوعة إلى أجسام ممزقة. وكثيراً ما تشاهد هذه الظاهرة في النمل الأبيض الذي يعيش في أمريكا. وقد يندفع الفريق الغالب نحو بيت المغلوب ويلتهم البيض. وما العجيب أن الفريق المغلوب قد يتجه نحو بيضه ويشاطر الغالب التهامه بعد أم كان

<<  <  ج:
ص:  >  >>