للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهكذا ذهب به كل مذهب في هذه الشكوى حتى خاطب ربه متألماً:

(رحمتك تتوالى على الأجانب ودورهم، أما المسلمون فليس من حظهم إلا رعود النوائب وبروقها؛ والبلية كل البلية أن الكفار ينعمون بحور مقصورات وقصور مشيدة، والمسلمون المساكين يعللون بوعود الحور فقط). وتخلل هذه الشكوى كثير من مزايا الأسلاف وخصائص أعمالهم الجليلة التي افتخر بها الشاعر أمام ربه كقوله في وصف المجاهدين الأولين: (وكلما حانت الصلاة أثناء صليل السيوف، ولت الأمة الحجازية وجهها شطر القبلة وسجدت لله تعالى شاكرة.

ووقف محمود (الأمير) وإياز (المملوك) في وصف واحد فلم يبق هنالك عبد ولا مولى، وأصبحوا جميعاً عبيداً لله؛ واتحد العبد والمولى والفقير والغني، ولما وصلوا في حضرتك، صاروا وحدة جامعة وكتلة متراصة).

وكلمة (شكوه) هذه سائرة مسير المثل في طول بلاد الهند وعرضها. وكذلك يضاهيها في الشهرة والقبول جواب الشكوى (جواب شكوه) التي رد فيها الشاعر على كل بيت من شكواه وذلك بلسان الله عز وجل، وكلتاهما أشهر من (قفا نبك)، وقد ترجمت بلغات عديدة. ولكن العارفين بدخائل الكلام يرون أن الشاعر لم يكن موفقاً في الرد مثل نجاحه في عرض الشكوى. وذلك غير بعيد من شاعر مطبوع متألم من مصير بني قومه، وهو في ريعان شبابه. وعلى كل فإن الشاعر نجح إلى حد بعيد في إرشاد إخوانه إلى مواطن ضعفهم في الدين والأخلاق.

هذا وقد عرفت ما بلغه الشاعر الحكيم من علو الفكر، وسمو البيان في الدور الثالث من حياته الشعرية، نريد أن نعرف القراء بشيء من غرر شعره وفرائد حكمه في الدور الرابع من شاعر يته حينما جاوز حد الفتوة، وأصبح في عداد الحكماء أكثر منه في الشعراء. ولكن حكمه منتثرة في مطاوي دواوينه، كثيرة متنوعة في مواضيعها، بحيث لا يمكن تقدير إحاطتها وتنوعها بعدة من الأمثلة، ولذلك يجدر بالمقام أن نبتدئ أولا بذكر دواوينه والإشارة إلى مواضيعها، ليكون القارئ على بينة من كثرة منظومة وتنوع أفكاره وحكمه، ثم نلخص نتفاً من آرائه السديدة وحكمه البالغة. أما دواوينه الشعرية، فهاك بيانها:

باتك درا (صوت الجرس): مجموعة شعره (باللغة الأردية) في الأدوار الثلاثة الأولى،

<<  <  ج:
ص:  >  >>