ولعل مختلف الظواهر والأحوال الاجتماعية التي اتصلت ببلادنا قد حملت شبابنا قسطاً من الآلام، وآخر من الآثام.
فأما هموم شبابنا وآلامه فلها ارتباط وثيق بما يشعر به من غموض المآل. وأما الأخطاء والآثام فمنشؤها غفلة الشباب حين يغفل عن قيم الحياة الحقة، ليلتفت إلى قيمها الزائفة، وحين يضلله سراب الحياة الخلاب إلى غير ما يشتهي من مائها الزلال، وحين يطمئن عن ضعف في البصيرة إلى سطح الحياة المستقر على بركان ثائر، وحين ينصرف الشباب عن جد الحياة إلى هزلها العاثر، وعبثها الساخر، ويؤوب منها بالقدح الخاسر. وعلى الجملة حين تتبدى الحياة في ثوبها المزخرف، فتستدرج إلى صغائرها الباطلة وشهواتها من لا حصانة لهم من الشباب، وكان لكل ذلك أثره في أمزجة الناشئين وأعصابهم وسلوكهم، فتعدد فيهم المتشائمون، وتكاثر فيهم المستخفون المستهترون، وأصبح بينهم المتمرد الجامح والخائر المهزوم.
على أننا نلتمس المعاذير للشباب على تشاؤمه واستخفافه، وجموحه وخوره، ونغتفر له انحرافه عن الطريق التي يرضاها له النصحاء الخيرون، إذ ترجع التبعة في كل ذلك على ظروف الماضي القريب وملابساته. فإذا كان لأحد أن يتحمل قسطاً من اللوم، فعلى الآباء بعض أثقال هذه الملامة؛ أما شبابنا فحليق بهم أن تنالهم شفقة المشفقين، وحدب العاطفين.
على أنه حري بالنشء الجديد أن يوجهوا جهودهم، ويحولوا طموحهم إلى حياة أسمى من التي يتذوقون مرها، وأن ينشدوا جوً أصلح من ذلك الذي يتنسمون سمومه، فللشباب من مفسوح الحياة ومقتبل العمر ما يوسع له المجال لتحقيق عيش يرضاه لنفسه ولمن يخلفونه؛ وله من نشاطه الحيوي ما قد يسخره في الخروج من الحياة المظلمة إلى حياة نيرة، وما قد يستخدمه لتحويل قطوب دنياه إلى بسمات، وزعازعها إلى نسمات، وأنينها إلى نغمات، فلا يأس مع الشباب، ولا يأس مع الحياة.
ويلوح لي أن أشد الحوافز لنشاط الشباب، وأقوى المثيرات لحيويته، وأمضى الشاحذات لعزيمته حين ينشد حياة أصلح من التي يحياها، إنما يكون في توجه الشباب إلى الأهداف العليا، والمثل السامية، ليسلم نفسه لسلطانها إسلاماً، ويذعن لسيطرتها إذعاناً. وهل من هدف أولى من الخلق الكريم ليكون موضع طموح الشباب؟ وهل من سلاح غير سلاح هذا