للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهي، في الأكوان، دنيا عاقرُ ... كل زخّار له فيها ركودْ

ضرب السحرَ عليها ساحرُ ... فهي عنوانٌ على عقم الوجود)

ولكن شيئاً - لعله الإلهام - صرفني عن هذه التحية غير الطيبة، فقد كان الزائر فتاة أشهد إنها من أجمل - إذا لم تكن أجمل - من رأيت في حياتي؛ وكانت رشيقة ممشوقة، ووجهها وضاح؛ أما عينها فأعوذ بالله منها! أعني أن البراقع ما اتخذت إلا لتقي الناس سحر مثلها

وقالت وهي تنساب كالماء الرقراق: (لست تعرفني بالطبع. . ولكني أنا أعرفك)

قلت: (تفضلي. . أعني أولاً. . وبعد ذلك يتسع الوقت للسؤال والجواب)

قالت: (متى تسافر؟)

قلت: (هل تعلمت في إنجلترا. . أو لعل أباك إنجليزي؟)

قالت: (لماذا. . أنى سمراء. أو لوني أقرب إلى السمرة. . ثم أني لا أعرف الإنجليزية. . تعلمت في (الميردة دييه (فقط))

قلت: (هذا أحسن. . على كل حال إنما عنيت إنك تمضين إلى غرضك بلا لف ولا تضيعين الوقت. . سأسافر في الفجر)

قالت: (سأبعث إليك أذن بالحقائب الليلة وأجيء أنا قبيل الفجر)

قلت: (بفرح أنت إذن (فتنة)؟؟ لقد صدق الذي سماك)

فقالت وهي تنهض عن الكرسي وتمضي إلى المنضدة وتقلب ما عليها: (أليس عندك سجاير؟. أم أنت لا تدخن؟.)

قلت: (إنك صغيرة جداً. . ولكن خذي)

فأخذت سيجارة وانطلقت تدخن وهي ساهمة وأنا أنظر إليها ولا أقول شيئاً، فقد خطر لي أني سأشهد فصولاً كثيرة متعاقبة لهذه الرواية. وإذا بها ترمي السيجارة من النافذة وتقول (إلى الملتقى إذن. . وشكراً لك)

وليس أبغض إلي من أن يرى الناس ما أصنع أو يشهدوا خروجي ودخولي وسفري وإيابي. ولكني احسب الدنيا - دنيا شارعنا على الأقل - قد علمت أني مسافر بالسيارة، وأن معي فتاة جميلة ستريني النجوم في الظهر الأحمر. . واطلعت - أعني الدنيا الخاصة - على ما في حقيبتي الصغيرة وحقائبها الكثيرة المنتفخة فقد كانت لا تفتأ تأمرني بأن أغير

<<  <  ج:
ص:  >  >>