قليلاً بحيث تتدلى خيوطه فوق أذنه اليمنى، وكأنما يكسبه هذا الوضع مهابة إلى جانب ما يكسبه منها شعره الأبيض وطول أعوام خدمته، أو هكذا خيَّل إلى منظاري. . .
ويعجبني منه ذكاؤه وسرعة خاطره وخفة روحه. فهو سريع الفطنة إلى ما يسرك من ألوان الحديث وكيفية الخطاب، فيحدثك وهو ينظر بعينيه اللامعتين إذ تسمع، فإن لمح أثر ارتياحك على محياك استرسل، وأن آنس فيه كدرة أدار الحديث في لباقة وسرعة حتى يقع على ما تحب.
وأجمل حديثه ما كان عن تاريخ المدرسة وتلاميذها القدماء، فيسمعك أسماءهم كما كانت تسمع في فناء الدار، خالية من ألقاب العزة والسعادة والمعالي وما إليها، وكأنه يريد أن يلقي في روع طلاب اليوم أن هؤلاء كانوا بالأمس مثل ما هم عليه الآن، وهو إيحاء يحبه الطلاب. ومن يدري فلعل فيهم من يحمل في غد أكبر الألقاب، أو من يستغني بنباهة اسمه عن جميع الألقاب.
على أن أكرم خلال ذلك الرئيس هي وفاؤه لكل من يعمل معهم، وغيرته على سمعة ذلك المعهد الذي يعمل فيه، وإن جميع من عرفوه ليلمسون فيه هذا الوفاء.
وإذا شئت دليلاً على وفاء هذا الرجل، فاعلم أنه يرسل كل عام في عيد الميلاد خطاباً إلى مستر اليوت بانجلتره؛ ومستر اليوت هذا كان ناظراً للمدرسة التوفيقية منذ ربع قرن، وهو لا يملك له اليوم ضراً ولا نفعاً، ولذلك فوقاره لا تعلق به شائبة من تلك الشوائب التي قلما خلا منها (وفاء) في هذه الأيام، وقل في الناس من يوادك إلا لعلة.
أرأيت معي أن (عم حسين) خليق بأن يدعى الرئيس، وبأن رياسته خليقة بأن تحب؟ أن كنت في ريب من هذا فأخطر ببالك من تطمئن إلى الاعتراف لهم بالرياسة، وأنظر أن كنت نجد فرقاً بينه وبينهم، ومرد الأمر فيما تحكم إلى ذمتك، أما أنا فلست أشك في أنه أكرم عندي من كثيرين، وإذا كان هذا الخطاب الذي أشير إليه دليلاً على ديمقراطية الناظر القديم، فإن فيه لك شهادة على أن كبير الخدم أحمد حسين جدير بأن يذكر وبأن يحب.