بمفردنا، وأن نفرع من أولئك الوعاظ الخادعين. . . علينا أن نصبح نحن قادة لأنفسنا، فلا ننشد الوحي والإلهام إلا في نفوسنا. أما المسيح فلم يعد موجوداً، لأنه ليس ثمة إيمان عام بعد اليوم! فليكن كل واحد منا إذن مسيحاً لنفسه، وليتصل ربه كما يشاء، وليعتمد على إلهه كما يستطيع. . . وليتصور كل منا هذا الكون كما يحلو له، وليختر أي نظام يروقه. أما أولئك الرجال الذين قد يستطيع المسيح أن يقول لهم: ما أقل إيمانكم، فطوبى لهم إذا كان معنى هذا انهم رجال مخلصون لا يريدون أن يخدعوا عقولهم، أو أن يلغوا ذكاءهم، أو أن ينتقصوا من كرامتهم! طوبى لهؤلاء القوم، لأنهم يملكون روحاً علمية حقيقية، وفكراً فلسفياً صادقاً، ولأنهم لا يؤخذون بالمظاهر، بل يأخذون الحذر حتى من عيونهم وعقولهم، ولأنهم يبدءون دائماً من جديد، فاحصين احساساتهم، وممتحنين استدلالاتهم. أن هؤلاء وحدهم هم الذين يستطيعون أن يظفروا بجانب من الحقيقة الخالدة، لأنهم لا يظنون في أنفسهم أن في وسعهم إن يظفروا بالحقيقة كلها؛ فلديهم إذن قدر كاف من الإيمان الحقيقي الذي يدفعهم إلى أن يبحثوا دائماً، بدلاً من أن يركنوا إلى الراحة والهدوء، مكتفين بأن يرسلوا الصرخة العالية قائلين: لقد وجدنا! لقد وجدنا! أجل، إن هؤلاء هم الشجعان الذين يواصلون السير والتقدم، حين يتوقف غيرهم ويركن إلى الدعة والخمود؛ فالمستقبل لهم وحدهم، وفي أيديهم يقع مستقبل الإنسانية في العصور المقبلة!)
هذه هي الحرية الفكرية كما يفهمها جويو، فهي في نظره ضرورة من ضرورات الحياة الحاضرة، وحاجة من الحاجات الهامة التي يقوم عليها مستقبل الإنسانية. وليس أحب إلى نفسي من هذه العبارة الخالدة التي يصور فيها جويو موقف الإنسانية اليوم فيقول:(إننا على ظهر سفينة هائلة كالتنين الضخم، وقد اقتلعت الأمواج العاتية دفة هذه السفينة، وحطمت الرياح الثائرة ساريتها. فالسفينة الآن ضالة في الميحط، تنخبط ذات اليمين وذات الشمال، مثلها مثل الأرض السابحة في الفراغ! وهي تسير بالمصادفة والاتفاق وتضرب ضرب عشواء، مدفوعة بالرياح السوافي، كأنما هي حطام هائل يحمل فوق ظهره الناس. . . وقد تصل هذه السفينة إلى هدف مجهول، أو غاية غير معلومة، فتبلغ الإنسانية غرضاً لم ترم إليه من تلقاء نفسها. ولكن ليس ثمة يدٌ تقودنا، ولا عينٌ ترعانا؛ والدقة قد تحطمت منذ زمن بعيد، بل لعلها لم توجد يوما ما، فعلينا أن نضع هذه (الدقة)؛ وتلك مهمة خطيرة،