للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القطيعة، ويطول بهم الفكر، فيعلموا أنهم هم المذنبون، وأنهم هم الذين ساقوك إلى دكان الجزار، وألقوا بك بين أنياب الذباب، عزلاء لا مخلب لك ناب، ولو أنهم نشئوك على عادات العروبة، وآداب الإسلام، لما كان الذي كانت، واعلمي يا بنتي أن قصتك مع هذا الشاب، زميلك في المدرسة، قصة كل بنت حواء مع كل ابن آدم، يميل إليها، وتميل إليه، (فطرة الله التي فطر الناس عليها) لكنه يريد منها غير ما تريد منه، إنها (وهي التي تحمل عليها) تريد أن يكون لها أبداً وحدها، كما تكون له أبدا وحده، يريد حبا باقيا لأن آثاره باقية فيها، تنتقل من الرغبة إلى الأمومة، وهو يريد أن يقطف الزهرة ويجني الثمرة، ثم الرغبة إلى الأمومة، وهو يريد أن يقطف الزهرة ويجنى الثمرة، ثم بوليها ظهره، يبحث عن زهرة أبهى لونا، وثمرة أشهى طعما، فالحب عندها استعراق ودوام، وهو عنده لذة ساعة، ومتعة نهار، إذا أخطأ معا، غفر المجتمع له خطيئته، ولم يغفر لها خطيئتها أبداً.

من هنا جاءت شكوى النساء من خيانة الرجال، ومن هما حرم الله، ومنع الشرف اقتراب الرجل من المرأة، إلا بعد أن تقيده بقيد الزواج، لئلا يتبع فطرته وهواه، فيقضى أربه ويهرب - إن هذه يحاول الخروج عليها، والتخلص منها، أفليس هذا عجيبا؟

على أنك لو لم تشجعيه لنا أقدم، ولو لم تضعفي عنه قوى، ولو تصونت عنه بالحجاب، وتمنعت منه بالخلق، ولو أن كل بنت كانت تحمل عقلها دائماً في رأسها، لا تنساه في قصة غرام ولا ديوان غزل، ولا على مقاعد السينما، وكرامتها بين عينيها، وتعرف كيف ترد عنها شيطان أنسي يبغي العدوان عليها بالكلام إن كان ممن يفهم بالكلام، وبكعب الحذاء تخلعه وتنزل به على رأسه، إن كان سيفها خبيثا قليل الحياء، لما فجعت بعفافها فتاة. فالأمر في أيديكن يا بنات، وإن أفسق الرجال وأجرئهم على الشر، يخنس ويبلس ويتوارى، إن رأى أمامه فتاة مرفوعة الهامة، ثابتة النظر، تمشى إلى غايتها بجد وقوة، وحزم، لا تتلفت الخائفة، ولا تضطرب الخجل، ولا تميس ميسان من يقول: هأنذا فمن يريدني؟

وبعد يا بنتي فلا تيأسى، فما في الذنوب ذنب غير الشرك يضيق عنه عفو الله، ولا في الوجود مذنب يرد عن بابه إن جاءه تائباً منيباً، وإن في عفو الله متسعاً لجميع العصاة (قل: يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً)

علي الطنطاوي

<<  <  ج:
ص:  >  >>